مناعة مجتمعية في نهاية 2021 وإلاّ ... فوضى وبائية في بداية 2022
مناعة مجتمعية في نهاية 2021 وإلاّ ... فوضى وبائية في بداية 2022

لايف ستايل - Friday, May 7, 2021 11:26:00 PM

البروفسور غسان سكاف

اليوم يطوي العالم سنةً ونصف السنة على تفشي جائحة كورونا التي تسللت من حيوانات أسواق ووهان في الصين والتي شكلت أكبر أزمة على مستوى العالم في هذا القرن. هي بالتأكيد أكثر من أزمة صحية، إنها أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية لا سابق لها في التاريخ.

إن خطورة فيروس كورونا تكمن في سرعة انتشاره وقدرته العجيبة على التحور والتأقلم والمقاومة، وبالتالي ضغطه الكبير على الأنظمة الصحية في البلاد وتأثيره على الاقتصاد العالمي. وللدلالة على أهمية سرعة الانتشار في هذه الجائحة نرى أنه منذ كانون الاول 2019 استغرق العالم ثلالة أشهر للوصول الى 100.000 حالة إصابة مؤكدة، و 12 يوماً فقط للوصول الى 100.000 حالة ثانية، و 4 أيام فقط للوصول الى 100.000 حالة ثالثة، واستغرقت ال 100.000 حالة الرابعة يوماً ونصف اليوم فقط.
منذ كانون الاول 2019 وحتى نهاية نيسان 2021 اصيب العالم ب 152,825.171 مليون إصابة بالعدوى وتوفي 3,206.000 مليون شخص وفق جامعة هوبكنز وتفاوتت الأعداد كثيراً بين دول العالم. هناك حكومات قامت بإجراءات مبكرة وحاسمة وحكومات أخرى استطاعت احتواء الوباء لأنها استثمرت في البنية التحتية للرعاية الصحية وحكومات لدول كبيرة جاءت قراراتها في التعبئة والعزل متأخرة بعدما اصطدمت باختيار أولوياتها، أولوية إنقاذ البشر أو إنقاذ الاقتصاد فتفشى الوباء بسرعة قياسية وأتت النتيجة كارثية. نرى هنا أن مقاربة الرئيس ترامب للجائحة كانت فوضوية وغير شفافة مما أفقد الناس الثقة بالقيادة السياسية فكانت الولايات المتحدة الأميركية أكثر البلدان في عدد الاصابات والوفيات ، ما انعكس على انتخابات الرئاسة فكان كوفيد-19 سبباً من أسباب سقوط ترامب. وكان لعامل الثقة أثراً إيجابياً في نيوزيلاندا حيث حلت في المركز الأخير في العالم بعدد الإصابات والوفيات.
أما في لبنان، فقد دخلنا موسم الحصاد لمًا زرعه مسؤولونا من فشل وخيبات وفساد وسوء إدارة فكل المؤشرات تنذر باقتراب وقوع انهيارات اجتماعية مخيفة تحت وطأة الجائحة الوبائية من جهة والانهيار المالي والاقتصادي من جهة أخرى. في خضم هذه الهرولة السريعة والمخيفة للبنان نحو الارتطام الكبير، نرى أن رياح المعطيات في تطور عمليات التلقيح تعاكس مراكب المتفائلين بقرب السيطرة على الوباء، كما نرى أن لبنان متجه الى الاعتماد على المناعة المكتسبة بالإصابات والتي تتطلب وقتاً طويلاً وارتفاعاً في معدل الوفيات.
لقد سمح "نظام كوفاكس" للبلدان ال92 الأكثر فقراً بالحصول على جرعات من اللقاحات بعد أن حصلت البلدان الغنية على 87% من اللقاحات التي أُنتجت في العالم. أما الهدف المعلن من برنامج كوفاكس فهو توزيع جرعات كافية لتطعيم ما يصل الى 27% من سكان البلدان ال 92 الأكثر فقراً بحلول نهاية سنة 2021. ولبناننا، مستشفى الشرق وجامعة العرب ومصرف العرب ومصيف العرب أصبح حديثاً وللأسف عضواً فاعلاً في نادي الفقراء واستجداء اللقاح.
إن التفاوتات في توزيع الجرعات بين الدول الغنية والفقيرة سيحول في نهاية الامر دون تشكيل مناعة جماعية في العالم ولكن سرعة التلقيح في الدول ستؤدي الى بلوغ هذه المناعة في الولايات المتحدة الأميركية ودول الإتحاد الأوروبي في شهر تموز 2021، بينما نرى أن الموجة الثانية للوباء في الهند أصبحت خارج السيطرة وتقف أنظمة الرعاية الصحية داخل الهند على حافة الانهيار الامر الذي يُعرض حالياً ملايين الارواح للخطر.
لقد باشر لبنان بالتلقيح في 14 شباط 2021 متأخراً أكثر من شهرين عن دول العالم القريب والبعيد، فإذا كان اللبنانيون الذين تلقوا جرعتين من لقاح مضاد لكورونا سيحتاجون الى جرعة ثالثة في غضون ستة أشهر الى سنة ثم لجرعة كل عام كما تشير الدراسات العالمية، وبما أن بطء عمليات التطعيم ستؤدي الى زيادة عدد وخبث المتحورات للفيروس فلا بد من الاسراع في عملية التلقيح لحماية مجموعات أكبر من المواطنين والعمل على السيطرة على الوباء.
إن المناعة المكتسبة من التلقيح قد تدوم 8 أشهر الى سنة على الأقل بينما المناعة الطبيعية من جراء الإصابة تدوم بين 3 الى 6 أشهر. في لبنان, منذ انتشار الوباء وحتى آخر نيسان 2021, هناك أكثر من 528000 إصابة بكوفية-19 أي ما يقارب 10% من المواطنين وقد تم تطعيم نحو 6.5% باللقاح المضاد لكورونا. إن هذه الارقام بعيدة جداً عن المطلوب للوصول الى مناعة مجتمعية تحمي اللبنانيين من كارثة صحية مستقبلية ولكنه يحدّ جزئياً من انتشار العدوى ما يفسر تدني عدد الاصابات اليومية.
في استقراء للأرقام نرى أن عملية التلقيح السلحفاتية ستؤدي الى خسارة المعركة ضد الوباء لأن المناعة المجتمعية التي سيحصدها لبنان بحلول كانون الثاني 2022، موعد إعادة تلقيح ملقحي سنة 2021، لن تتخطى 40% بينما المطلوب هو 80% على الأقل بناءً على التوصيات العلمية العالمية. إن هذه المناعة الهزيلة (40%) والتي هي في الواقع نتيجة مزيج من تأثير اللقاح وتأثير الالتهاب الفيروسي لن تمنع الفيروس من الفتك بآلاف المصابين قبل نهاية السنة ووحدها سرعة التلقيح قادرة أن توفر على لبنان آلاف الوفيات.
فلمن ستكون الأولوية في اللقاحات في بداية 2022، لملقحي 2021 أم لغير الملقحين ؟
هذه التساؤلات وهذه الأرقام على أهميتها تدعونا للعمل على إعادة توجيه السياسات الصحية في لبنان وتغيير القرارات المتخذة في مواجهة الوباء ما يحتم الحاجة الى غرفة عمليات يتولاها في هذا الزمن الصعب واللحظات المصيرية أهل العلم والفكر وعمالقة الترفع. فالأولويات الصحية المخيفة باتت استحقاقاتها تُقاس بالأسابيع وليس بالأشهر وعلى السلطة القائمة أن تتعامل مع الأزمة بوضع خططٍ مستحدثة وأدوات عملية وعلى الأفراد والمجتمع تطبيقها والالتزام بها:
١- تأمين 6 ملايين جرعة إضافية عن طريق القطاع الخاص أو العام وبسعر بلد المنشأ ما يؤمن تلقيح ثلاثة ملايين لبناني إضافية قبل نهاية 2021 لتعزيز واستكمال برنامج كوفاكس ما سيؤدي الى مناعة جماعية في كانون الاول 2021 وذلك قبل المباشرة بتطبيق برنامج جديد لسنة 2022 وإعادة تلقيح ملقحي سنة 2021.
٢- تعديل سياسة التلقيح في المناطق اللبنانية وفقاً لمعدل المناعة المكتسبة في كل منطقة. فالتلقيح يجب أن يبدأ في المناطق حيث معدلات المناعة المكتسبة منخفضة مع إمكانية إرجاء التلقيح في المناطق التي تحظى بمناعة مكتسبة مرتفعة.
إن فحص المناعة للسكان في البلدات والأقضية والمحافظات يبدو اليوم أولوية لاختبار الأجسام المضادة بعد الاصابة بفيروس كورونا، اي ما يُعرف بالمصابين الصامتين، الذين من الممكن عودتهم الى العمل وإطلاق العجلة الاقتصادية ، كما أنه في الإمكان النظر الى المناعة المكتسبة بالمقارنة مع ما حققه الوباء من اصابات ومعدل الوفيات التي حصدها.
في لبنان، علينا أن نكون أسرع بلد في العالم في تلقيح المواطنين لأن التعافي الاقتصادي سيتوقف على سرعة احتواء الجائحة بإلاضافة الى السياسات الاقتصادية الجديدة للحكومة المتوقعة ودعم النهوض.
لا تزال الآثار الطويلة الأمد لأزمة جائحة كورونا غير مؤكدة مع إمكانية بروز تحديات صحية واقتصادية واجتماعية بسبب حالة عدم اليقين التي غالباً ما تبرز بعد الأزمات الكبرى والأوبئة كما علمنا التاريخ .ولكن بالتأكيد، كما أثبت العلم، فإن سرعة التلقيح هي السلاح الدفاعي الوحيد لرفع إمكانية الفوز في الحرب ضد الوباء.
بين خطر كورونا والخوف من الإفلاس، لبنان على عتبة الإرتطام . فلا شيء ينتشر بسرعة تفوق إنتشار الفيروس مثل الخوف، هذا الخوف الذي انتابني وأنا أكتب هذه الأسطر.
في النهاية أتوجه الى السلطة القائمة لأقول: " اصغوا جيداً واحذروا من الصمت. فالصمت هو المحاولة الأخيرة لإخبار المسؤولين بكل شيء لم يفهموه عندما كنا نتكلم"



| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني