بين العتمة والنّور
بين العتمة والنّور

خاص - Sunday, June 13, 2021 7:00:00 AM

النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس

تنفّس الإعلام في الأسبوع الماضي هواء نقياً، بدأ بالمقابلة القيمة والغنية التي أجرتها من باريس قناة LBCI مع القاضي في محكمة العدل الدولية نواف سلام حيث استطاع أن يقدّم مسحًا سياسياً واقتصادياً للأزمة اللبنانية وتشابكاتها الإقليمية، بسلاسة وموضوعية ورصانة ظريفة، وأن يقدم لكتابه الجديد الذي تكرم أمس وأرسل لي نسخة عنه بما سيكون له حَيِّز في أحد المقالات القادمة. وأكدت المقابلة بحد ذاتها أنّ مستودع الذخائر البشرية اللبنانية ما زال زاخراً بالمواهب الفائقة الجودة، والطاقات الصالحة للاستخدام عندما تكون الظروف ملائمة والرياح مؤاتية.


أما في السابع من حزيران فقد كتب الدكتور انطوان قربان في الأوريان لوجور، مقالاً غاية في الجمال والدقة استعمل فيه خبرته الطبية الراقية لتوصيف العلة السياسية وعنوان المقال هو Banalisation du mal، أي تسخيف الشر، والترجمة الأصح لغة هي إباخة الشر، من باخ بوْخاً وبَوَخاناَ.


أرسلت النص الجميل لكثير من الأصدقاء، ومنهم طبيبي وصديقي الدكتور بلال الذي طالما نبهني إلى أنني في كل ما أكتب أنتحل صفة ليست لي وأبالغ في التشبيهات الطبية، ولكن مقال الدكتور قربان نهاني عن الاستمرار في ذلك، لأنه خبير كبير في الطب السياسي، يحذّر المجتمع من إهمال فحص أورامه، أو تجاهلها، لأن إباخة الشر، أساس الاستبداد والمجتمعات التوتاليتارية كما تقول "حنة أرندت" ويذكر بذلك الشهيد سمير قصير.


الرفيق سجعان يقول في خميسيّته إن أخطر الانقلابات هي الانقلابات غير العسكرية، وأسْوَؤها تلك التي تكتمل قبل أن تعلن، وأتعس الحكام هو الذي يلتبس عليه الفارق بين الضعف والقوة، ويختلط عليه الأمر بين هزيمة "واترلوا" انتصار "أوسترليتز".


وفي مساء الخميس كان الأمر مختلفاً حيث استضاف مرسيل غانم نخبة مثقفة من المسيحيين لمناقشة موضوع الفدرالية، وربما تعمّد أن يستأخر إدخال الحارث سليمان عليهم الذي ضاق الوقت عليه وكذلك صدور محاوريه به.


ما قصدته من النماذج المشار إليها هو أن الحيوية الفكرية إذا أخذت مداها فانها تطرد السموم من أجواء التنفس أو تخفف منها، علماً أنني أريد ان أسجل على حوار "صار الوقت" الملاحظات الآتية:


أولاً: إنني لا أتخذ موقفاً مسبقاً من الفدرالية، ولا أعتبر المسألة بالنسبة لي ايديولوجية مع اعتراضي الصارم على قول حفيد فؤاد افرام البستاني إن الانتماء الطائفي ليس معتقداً، بل هوية وثقافة، وكاد يقول بل عنصراً كذلك، ولم يشفع له عندي قاموسه الأجنبي الواسع ولا الأقلام الملونة التي قطع بها أوصال الشعب اللبناني وجعل ابن شبعا مثلاً، ملتحقاً بإقليم الخروب، أو عكار المتداخلة القرى إلى حد التماهي، قطعة من الموزييك المتعسف.


ثانياً: لم أجد حماسة لفكرة الفدرالية في الطوائف الأخرى، وهذا يحثني إلى أن ألفت نظر بعض النخب المسيحية إلى أن نفاد الصبر لا يعالج بالتنصّل المتعجل ولا ينبغي له أن يكون مدعاة للذهاب إلى حلول ظاهرها شفاء، وباطنها بلاء، لأن إباخة الشر الذي تحدّث عنه الدكتور قربان لا يعالج الداء الذي لا ينفع معه حجاب من الطِّلسمات يطرد الأشرار بعيداً، وأسأل كيف سوَّغت لنفسها الأقلام الملونة تجزئة المسلمين إلى مذاهب وكانتونات وحشرت المسيحيين كلهم في نظام مرصوص؟


ثالثاً: قدرت موقف الدكتور أبو ناصيف الذي رد على الحارث قائلاً إن الفدرالية لا تعالج الحالة الراهنة قبل استعادة الدولة واسترجاع سيادتها، وهذا ما يجعل الفدرلة موضوعاً صالحاً للنقاش في مرحلة لاحقة.


رابعاً: مرة أخرى أؤكد ان الفدرلة لا تخيفني مع أنها لا تستقيم إلا في دولة لها دفاعها الموحد وكذلك سياستها الخارجية، وهي ربما مطلوبة في الدولةالمترامية الأطراف، ولكنني لا أنفك أكرر أن من ضاق صدره بأخيه وتوهم انه إذا أقدم على بتر يده تكتب له السلامة، عليه أن يتذكر دائما أن الصيغة اللبنانية المسيحية الاسلامية كانت نتاج فكر عبقري لاستنقاذ الطوائف من الاستنقاع في متحداتها، والنكوص إلى تطرفها والاحتراب فيما بينها.


أختم بما استشهد به نواف في صدر كتابه الجديد (لبنان بين الأمس واليوم) بمقولة لغرامشي:


"تكمن الأزمة تحديداً في أن القديم يُحْتَضَر، والجديد لا يستطيع "أن يولد بعد، وفي فترة الالتباس بين العتمة والنور، تظهر أمراض شتى".

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني