النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
"لا بد من العودة إلى الجلوس تحت سقف الدستور، لا بد من قضاء مستقل، لا بد من العودة إلى مفردات مشتركة، فالدولة العادلة لا تؤسس على الغلبة والقهر وكسر الإرادات. لا بد من مراجعة كي لا تتحول الطريق التي كانت تفصل بين حيَّين هما عين الرمانة والشياح، إلى هاوية تفصل بين عالميْن، لا بد من احترام حق الاختلاف واستجماع شظايا دولة تعيد البناء من الصفر، دولةٍ تستطيع ترميم الحديقة الهشة التي مزقتها وطأة الصقور."
هذا مقطع من مقال رئيس تحرير الشرق الأوسط، الأستاذ غسان شربل نشر يوم الاثنين الماضي قبل يوم كامل من إطلالة السيد نصرالله الذي استمعت إليه بعناية، فحسدت الأستاذ غسان على استشرافه، لأن مقاله كاد أن يكون تعليقاً على الخطاب قبل إلقائه، فكان كمن يستنبط مسبقاً ما سوف يقال.
لن أعلّق على خطاب الأمين العام لحزب الله بما ورد فيه من فصول، بل أكتفي بالإشارة إلى أن مفرداته ليست مشتركة، على الرغم من مضمونها الداعي إلى التطمين ولفت الانتباه، ذلك أنَّ حروفها غيرُ موجودة في قواميس من وُجِّهَتْ إليهم، لأن هؤلاء المخاطَبين، وأعني المسيحيين بقسم كبير منهم على ما أظن، لم يتسلَّموا من السيد حسن إلا أن قواته النظامية فقط، واللبنانية فقط - خلا الكشافةَ والأنصارَ والجمهور- عديدها مئة ألف لو أمرت لهدَّت الجبال طولا..
فإذا عطفنا على هذا الكلام هجومه على الفصيل المسلح المسيحي الذي نفى قائله وجوده، فإن هذا قد يكون مدعاة بعضهم إلى مزيد من التجييش والتعبئة وشحن النفوس والعواطف، كما أن محاولة تثبيطهم بإبراز هشاشة حلفائهم الافتراضيين الخارجيين، قد يدفعهم للبحث عن بدائل - إذا صحت المقولة - علماً أن حرائقَ الحروب الأهلية، تشعلُها شرارة أولى، بغض النظر عن موازين القوى التي عادةً ما تتغير وتتبدل أثناء المعارك، كما تتبدل الأحلاف، وتتغير الشعارات.
لست إذن في معرض إبداء ملاحظات على الكلام الذي انتظره اللبنانيون بمختلف فئاتهم إلا لألفت إلى أن المفردات المشتركة التي تحدث عنها غسان شربل تعني أن يكون لها الوقع ذاته لدى جمهور القائل، والجماهير الأخرى، لكنْ إذا هلل الأنصار وتوجس الأغيار، ضاعت العبارة من لسان الضاد الذي كان يجمعنا بغسان وعدنانِ.
لست أدري إن كانت هناك ظروف ناضجة لحرب أهلية في لبنان. أما العوامل الداخلية فتشبه لعبة الكلة التي كانت شرارةَ أحداث 1860، التي لا تكتمل قراءتُها إلا على ضوء بروتوكول 1864، حين تدخلت الدول وتقاسمت النفوذ، كما أن قراءة التجاذبات الداخلية تقرأ أيضاَ من خلال الصراع الدائر حولنا، وعليه، إن حصلَتْ - لاسمح الله - استجابة داخلية لإضرام حريق مطلوب من الخارج، فلن تتوقف النتيجة على موازين القوى الداخلية، لأن لبنان عندها سيشتهي العودة إلى بروتوكول 1864 حيال ما ينتظره من مصير تعمى البصائر عنه أو تتعامى.
لقد خرجت تصريحات كثيرة مطمئنة لكلام السيد نصرالله، كما نوّهت، لتفسير حقيقة المقاصد، كما ظهرت ردود ترجحت بين العنف والاعتدال، وهذا يدعوني إلى القول إن المتوجسين لا يطمئنون ولا يقتنعون بسهولة أن نيوب الليث البارزة تدل على أن الليث يبتسمُ، فأبوالطيب المتنبي قال عكس ذلك منذ ألف ومئة عام.