حسن هاشم
تشهد السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتّحدة تحوّلات وتغيّرات بدأت مؤشراتها تظهر جلياً على مستوى علاقة أبوظبي بدول المنطقة ما يشير إلى توجّه الدولة الخليجية نحو "تصفير" مشاكلها مع الدول الإقليمية الكبرى والمؤثّرة.
يمكن القول إنّه وبعد إبرام الإمارات اتفاقية السلام مع إسرائيل في أيلول 2020، انطلقت أبوظبي في قطار فتح قنوات التواصل مع كلّ من تركيا وإيران وسوريا، وسط تمايز عن مواقف المملكة العربية السعودية برز في الأزمة الديبلوماسية الأخيرة مع لبنان من خلال إجراءات كانت أقلّ تشدّداً من إجراءات الرياض تجاه بيروت.
في آخر تجلّيات تحوّلات السياسة الخارجية الإماراتية كانت زيارة وليّ عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أمس، إلى العاصمة التركية أنقرة ولقائه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث بحث الجانبان "في العلاقات الثنائية وسبل فتح آفاق جديدة للتعاون والعمل المشترك في جميع المجالات التي تخدم مصالحهما المتبادلة"، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية "وام".
وتأتي الزيارة بعد سنوات من الخلافات بين أنقرة وأبو ظبي شهدتها محطّات عديدة أبرزها الأحداث في مصر وسقوط الرئيس السابق، محمد مرسي، وما اعتبرته أنقرة "انقلاباً" على الشرعية في مقابل دعم الإمارات للرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، إضافة إلى إيواء تركيا لقادة جماعة "الإخوان المسلمين" التي تعتبرها الإمارات "منظّمة إرهابية"، كما دعم تركيا لقطر في فترة الأزمة الخليجية بينها وبين السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
وبالتزامن مع هذه الزيارة، كان نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري، يحلّ ضيفاً في أبوظبي حيث التقى المستشار الديبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، وتناول البحث العلاقات بين الإمارات وإيران و"تأكيد الجانبين على أهمية تعزيزها على أساس حسن الجوار والاحترام المتبادل وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بينهما"، بحسب ما ذكرت "وام" أيضاً.
وقبل ذلك، كانت زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى العاصمة السورية دمشق حيث التقى الرئيس السوري، بشار الأسد، في أوّل زيارة لمسؤول إماراتي رفيع إلى دمشق منذ 10 سنوات، أكد خلالها المسؤول الإماراتي أنّ ما حصل في سوريا أثَّر على كل الدول العربية، معرباً عن ثقته في أنّ سوريا وبقيادة الأسد، وجهود شعبها قادرةٌ على تجاوز التحديات التي فرضتها الحرب.
تواصل أمني - اقتصادي – سياسي
الصحافي والباحث بالشؤون الإقليمية، صهيب جوهر، يكشف أنّ "الاقتصاد المهنك" هو في "الحديقة الخلفية" للتواصل الإماراتي – التركي، ولا سيما أنّ حركة الاستيراد بين تركيا والإمارات لم تتوقّف.
وشهد أردوغان وبن زايد أمس توقيع عدد من الاتفاقات التجارية ومذكرات التعاون، شملت مجالات التجارة والطاقة والبيئة والاستثمار.
ويشير جوهر في حديث لـ"vdlnews" إلى أنّ التواصل التركي – الإماراتي بدأ منذ نحو سنة وكان على المستوى المخابراتي – الأمني برعاية عربية، بين مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زيد آل نهيان، ورئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، قبل أن ينتقل إلى المستويَيْن الاقتصادي فالسياسي من خلال زيارة بن زايد إلى أنقرة أمس.
وعلى المستوى الاقتصادي، يلفت جوهر إلى أنّه وفي محاولة للتخفيف من الانعكاسات التي تسبّبت بها جائحة "كورونا" على اقتصاد البلدين، حصل لقاء بين وزير التجارة الخارجية الإماراتي ثاني الزيودي ووفد تجاري تركي على هامش معرض "إكسبو 2020" في دبي.
ووفقاً لجوهر، فإنّ ولي عهد أبوظبي "يسعى لربط التجارة بخط تصدير جديد لأوروبا وتركيا هي البوابة الأسهل حيث مشروع "الشارقة - مرسين" فيما أنقرة جاهزة بسبب واقعها المالي المتراجع".
وسجّل التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين سجّل نمواً بنحو 21% خلال العام الماضي 2020، حيث بلغ نحو 8.9 مليار دولار، وذلك مقارنة مع عام 2019 والذي بلغ حجم التبادل التجاري خلاله نحو 7.3 مليار دولار.
رغبة إماراتية بـ"تصفير" المشاكل
وبحسب جوهر، فإنّ أبو ظبي فهمت من التقارب المصري -التركي الأخير أنّ "الإخوان" مجرّد تفصيل يمكن تجاوزه عند تركيا، لافتاً إلى أنّ "النقاش تسارع عقب الانسحاب الاميركي من افغانستان، حيث باتت هناك رغبة إماراتية بتصفير المشاكل مع القوى الإقليمية".
ويشدد في الوقت نفسه على أنّ "هذا التقدم لا يعني انتهاء الازمات بل هو بمثابة اتفاق ضمني على إدارتها بشكل أسهل".
تمايز عن السعودية
ويلاحظ جوهر أنّ السياسة الإماراتية تشهد نوعاً من التمايز أو التباعد عن السياسة الخارجية السعودية حيث أن أبو ظبي تقارب الأزمات بشكل مختلف عن الرياض التي تجري حوارَيْن "بطيئين" حتى الساعة مع كلّ من طهران وأنقرة.
ولا يستبعد الباحث أن تحذو الرياض حذو أبوظبي بما خصّ العلاقة مع أنقرة، إذ أنّ نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، يجري حواراً مع مسؤولين كباراً في تركيا قد يتوّج بلقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في الرياض أو في أنقرة.
أزمة لبنان مع الخليج
ويرى أنّ التمايز الإماراتي عن السعودية برز بشكل واضح في الأزمة الديبلوماسية الأخيرة بين لبنان والخليج من خلال عدم اتخاذ أبوظبي إجراءات تصعيدية كتلك التي اتخذتها الرياض، وذلك بعد تصريحات كان أدلى بها وزير الإعلام جورج قرداحي حول اليمن قبل أن يتمّ تعيينه وزيراً.
واكتفت أبوظبي بسحب دبلوماسييها من لبنان ومنع مواطنيها من السفر إلى لبنان، مشيرة الى استمرار العمل في القسم القنصلي ومركز التأشيرات في بيروت ومن دون طرد سفير لبنان لديها، فيما كانت إجراءات الرياض أكثر قساوة فقامت باستدعاء سفيرها في بيروت للتشاور وأمهلت سفير لبنان لديها 48 ساعة لمغادرة البلاد، كما قررت منع كل الواردات اللبنانية من دخول أراضيها.