لبنان بين المساومات الدولية والانهيار الداخلي…
لبنان بين المساومات الدولية والانهيار الداخلي…

أخبار البلد - Wednesday, December 1, 2021 11:07:00 AM

بقلم البير نجيم 

في غمرة الجمود القاتل الذي يلف المشهد اللبناني الداخلي، والانهيار الذي يجرف معه كل شيء من مقومات الكيان والدولة والمجتمع بمختلف فئاته، كيف يبدو المشهد الخارجي ذو الصلة وما هي انعكاساته؟
1- الانسحاب الاميركي من المنطقة:
شعار سياسي مضلل اعتمدته الإدارة الأميركية لمزيد من الاستثمار في المنطقة تحت مظلته. اما واقع الحال فهو أقرب الى إعادة الانتشار للقوة الاستراتيجية الأولى في الشرق الاوسط، منه الى الانسحاب الفعلي، بكلفة اقل ومخاطر ادنى بكثير، وبأعلى درجات الاستثمار الإقليمي على الصعيد الأمني والعسكري، ولكن على حساب دول الإقليم، سواء منها الحليفة ام المناوئة لسياسة واشنطن.
وهذا ما فتح الباب امام تصعيد الصراع الإقليمي التنافسي من جهة (تركيا –ايران – روسيا)، والصراع التناحري من جهة أخرى (ايران – السعودية ومصر)، فيما بدت القوة الإسرائيلية، وهي الثانية بعد اميركا، بيضة قبان إقليمية، تلعب للأسف عند الضرورة دورا أساسيا في تعديل ميزان القوى بين الأطراف الإقليمية، كمثل دورها في سوريا وعلاقتها مع كل من روسيا وتركيا، وكذلك دورها في البحر المتوسط عامة والبحر الأحمر، والغاية البعيدة من الاتفاقات الابراهيمية وصولا الى السودان واثيوبيا.
2- إدارة بايدن وحلف "الاوكوس":
اعتبرت الاستراتيجية الدفاعية للمملكة المتحدة (بريطانيا)، بحسب المصادر المفتوحة، ان النظام الدولي الجديد يمر بحالة سيولة وحالة تنافسية خطرة، في إشارة بالطبع الى كل من الصين وروسيا، وكذلك في مرحلة بناء تحالفات دولية وإقليمية متوسطة الحجم في معظمها، أي انها ليست على شاكلة الناتو NATO او وارسو WARSAW، حيث لا وجود في هذه التحالفات لمخاطر أيديولوجية، ولا لحرب باردة، او لتهديد حقيقي للديمقراطيات الغربية او للسوق الرأسمالي الحر. سيما وان الاحلاف الجديدة تنشأ بين قوى متماثلة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، وهو الخيار الأمثل لقيادة العالم وإعادة بناء النظام العالمي الجديد...
ومن هنا تفسير ظهور الحلف الثلاثي "اوكوس" AUKUS الذي يضم كلا من اميركا، بريطانيا، وأستراليا، على خلفية الانكلو سكسونية، ثقافيا وعرقيا وتاريخيا، الامر الذي يجسد اكبر قوة عسكرية – سياسية – امنية متجانسة، والذي لم يصل اليه حلف الناتو الآخذ في التراجع الى الدرجة الثانية، جاعلا من المانيا وفرنسا بنوع خاص في حالة عجز استراتيجي اذا لم تخضعا لارادة الحلف الثلاثي الجديد. اوليس رد الفعل الفرنسي على مسألة فسخ عقد الغواصات ابعد من هذه المسألة بالتحديد ليلامس الاعتراض على الواقع الدولي الجديد المشار اليه؟
3- ايران وإدارة بايدن:
استبدل السعي لتصحيح مسار "خطة العمل الشامل المشترك" الخاصة بالاتفاق النووي، سياسة الضغوط القصوى بسياسة المرونة والحوافز، بهدف احياء هذا الاتفاق واعادته الى ما كان عليه في عهد إدارة أوباما.
وحيث ان الانتخابات الإيرانية الأخيرة اقصت الجناح الإصلاحي تماما، فان شروط القيادة الجديدة والمرشد، للعودة الى الاتفاق، واضحة وفق ما تم الإعلان عنها، وهي: افراج مسبق عن 57 مليار دولار، التراجع عن أي نص ملزم حول الدور الإيراني الإقليمي، انهاء العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب، وتسريع قبول اندماج ايران بالاقتصاد العالمي.

هذا فيما تبدو إدارة بايدن المحكومة بميزان القوى الدقيق الديمقراطي – الجمهوري في الداخل، عاجزة عن تلبية تلك الشروط الإيرانية، الامر الذي حمل مهندسي الاتفاق وجماعة الامن القومي الى الدعوة لانجاز اتفاق مؤقت حول النووي، ومتابعة المفاوضات حول باقي الملفات.

الا ان كل ما يدور على سطح التواصل الأميركي – الإيراني يعكس عدم قدرة المفاوضات السرية الحقيقية بين واشنطن وطهران على الوصول الى اتفاق. وهذا ليس استنتاجا بل تقدير موقف تعتمده الرياض والقاهرة وباقي الدول التي تتابع هذه المفاوضات عبر اقنية متعددة، ومنها: عمان، قطر، سويسرا، موسكو، الصين، وغيرها...

ويمكن استطرادا فهم أسلوب التصعيد الإيراني، بحسب وقعه في كل ساحة من الساحات الرئيسية، وذلك على النحو التالي:
• مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا، تصعيد سياسي – دبلوماسي.
• في اليمن، تصعيد عسكري – أمني على قاعدة التبادل (هجوم – هجوم).

•في سوريا، حيث المواجهة مع إسرائيل، حساب للكلفة والجدوى والمخاطر، بطريقة "ميزان الذهب"، وعلى قاعدة الحذر (دفاع – دفاع).
• في العراق وعلى اثر النتائج غير المتوقعة للانتخابات، فان التصعيد يجري على قاعدة مختلفة (دفاع هجومي).

• في لبنان وعلى إيقاع الانهيار الشامل للدولة والاقتصاد، فالملاحظ ما يلي:
+ بوادر تسوية حول الجيش والمصرف المركزي وترسيم الحدود، عبر تفاهمات قابلة للنجاح والفشل.
+ تهدئة نسبية مع إسرائيل مصحوبة بخطاب دفاعي كلاسيكي إعلاميا.
+ مقاربة مترددة لمسألة الانتخابات، اذ يقابل التأكيد على أهمية اجرائها مناخ يشير الى احتمال الغائها، أي إبقاء كل الخيارات مفتوحة، ما يؤشر الى انه لا تسوية بعد بالنسبة لمستقبل لبنان، وان العودة به الى ما كان عليه امر مستبعد للغاية.
4- المفاوضات:
اذا قدر للمفاوضات المعلنة في فيينا ان تبدأ في موعدها المحدد بتاريخ 30 – 11- 2021 كنتيجة للمفاوضات السرية، واذا لم تتحدد هذه المفاوضات بجدول زمني، فسيكون الوضع امام مرحلة جديدة من التهدئة والتصعيد في آن معا، حاملة معها مخاطر اكبر من مخاطر المرحلة السابقة، خاصة وان التصعيد الإسرائيلي المطلوب اميركيا لا يشي بان المفاوضات السرية تتقدم باتجاه مقبول.
5- موقف الرياض:
لم تفلح جولة وزير الدفاع الأميركي للمنطقة في اقناع الرياض بان ما يجري حتى الآن مطمئن لحلفاء واشنطن، وهذا ما يفسر ربما موقف المملكة العربية السعودية ومعها الكويت مما بات يعرف بـ "مسألة قرداحي"، أي وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي، لان الرياض تدرك بان التسوية الأميركية – الإيرانية حول المؤسسات اللبنانية وترسيم الحدود، تتقدم بمعزل عن مصالحها في لبنان والمنطقة، ولذلك هي ترفض تمويل هذه التسوية من دون مردود استراتيجي في اليمن على وجه التحديد.
اما الدعم السعودي بالموقف والمال لبعض المجموعات اللبنانية فهو دعم زهيد نسبيا ويرتدي طابعا إعلاميا – اعتراضيا لا اكثر، فيما يلاحظ ان الكويت انتهزت الانشغال الإيراني لتوجيه ضربة امنية في الداخل الكويتي (كشف خلية معينة) تحت مظلة الخلاف مع لبنان.
6- في الخلاصة:
لا يمكن بالفعل الحديث عن شبكة امان في لبنان طالما ان مفاوضات فيينا بعيدة عن شاطئ الأمان، ولا يمكن بالتالي توقع حلول لازمات المنطقة سيما اذا ما اسفرت المفاوضات عن قبول الفريقين باتفاق مؤقت حول النووي، لان مثل هذا الاتفاق سيدخل المنطقة في صراعات اكثر عنفا، حيث تواجه طهران تحديا مدعوما اميركيا على حدودها الشمالية مع اوزباكستان وأرمينيا، وآخر على حدودها الشرقية مع أفغانستان وطالبان. كما تواجه تركيا مسار انحدار اقتصادي كبير. اما اثيوبيا فتقترب من الحرب الاهلية، وهلم جرا...
والى ذلك كله فان واشنطن مرتاحة الى استنزاف روسيا في سوريا وغيرها من المواقع.

المشهد اكثر تعقيدا مما نعتقد او نفهم، والسؤال المطروح بإلحاح هو: كيف نحمي انفسنا؟ أفي استمرار غياب القرار السياسي والحد الأدنى من التعالي عن المصالح الآنية والذاتية؟ ام باستمرار التشرذم والانقسام؟ ام بمواصلة السجال حول أي صيغة نريدها للبنان؟ ام بمواصلة التعويل على انتخابات نيابية لا مؤشر جديا حتى الآن على انها ستحصل، وفي حال حصولها على انها ستحدث تغييرا ما، وسط جنوح جماعة الثورة والحراك نحو خلافات داخلية اشبه بخلافات اهل السلطة، بعدما أدى الحراك الى نتائج عكسية غير تلك المتوخاة، لدرجة ان السلطة باتت تحمله مسؤولية الانهيار الحاصل؟ ام بالعجز المطلق عن مواجهة التفلت الاجتماعي وحالات العوز والجوع المتمادية ما ينذر بعجز محتمل عن ضبط الشارع؟
اجل، كيف نحمي انفسنا؟ والجواب أيضا أكثر تعقيدا مما نعتقد او نفهم. حمى الله لبنان من العاصفة الهوجاء التي هو في عينها تماما، او بالأحرى حمى الله ما تبقى منه.

ع.م متقاعد في الأمن العام - باحث سياسي وأمني

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني