أممٌ وذمم في قبضة الكورونا... كبرياء الورى يتوارى
أممٌ وذمم في قبضة الكورونا... كبرياء الورى يتوارى

خاص - Thursday, December 23, 2021 12:06:00 PM

باتريك إيليّا أبي خليل

ما تصوّر الإنسان نفسه يوماً في هكذا أحوال حالت بينه وخالقه، أعجزته تائهاً منعزلاً لأعظم مرّة في تاريخه المليء بالأزمات والكوارث والعواصف العاتية منذ ما بعد اليوم السابع للتكوين.
مرّت السنون بآلافها، وصمدت خلالها البشريّة بفعل حنوّ إلهيّ ورحمة سماويّة غير مستحقّة في أغلبها، حتّى جنحت جائحة وكبحت سرعة الكوكب الذي لوّثته أياد تسيّرها ضمائر طليسة طميسة في نفق التسابق الأنانيّ على الهيمنة والمَيسَرة والشهوة، فتسمّر مفرمَلاً مذهولاً بالدخيل غير المرئيّ.

فيروس متأتّ من مخلّفات الخفافيش، برهنت جيناته القاتلة أنّه أعتى من كبرياء الإنسان ومن كلّ أحلاف عالمه وجبروتها ملتئمة مؤتلفة، فلا حلف شنغهاي أو حلف الناتو أو حتّى أمم العالم المتّحدة في بندها السابع قادرة هذه المرّة على المواجهة، وقابعة في حيرتها على كفّ ميزان قوى غير تقليديّة.

وكلّ إقتصادات العالم المنتعشة وجيوشه المعزّزة وإمكاناته الجاهزة، خائرة خاملة عن ردع عدوّ خفيّ يضرب دون تمييز بين إنسيّ وآخر بمعزل عن أصله، عرقه، إثنيّته، دينه، جنسه، وجنسيّته.
في أولى بشائر استفتاحها، فتكت جرثومة خبيثة بنظام كونيّ شامل قائم على العولمة منذ عقود من الزمن. فبَتَرَت الحدود بين الدّول ودكّت أسواق وبورصات عالميّة، ومعها سلطان الكائن الأسمى ووَهم سموّه، وأوْلجت المنظومة اللّيبراليّة التي حكمت العالم ما بعد الحربين إلى شَرنقتِها مثل مجسّمي الحلزون المُنحسِر في قلب صدفته بعد استشعار الخطر.

نجح الكوفيد 19 بما أخفق به أسلافه السارس والميرس من سلالة الكورونا، فذكّرنا بأنّنا طرايا العود، غارقين في تيهنا وبعدنا عن الصلاة، وفي تعاملنا الفوقيّ مع باقي الكائنات الحيّة على هذا الكوكب الصغير الذي جلدناه وسلخناه وانحدرنا به انتحاراً إلى القعر.
اليوم، ورغم توافر الإمكانات الهائلة وتسخير موارد الأرض كلّها، نقف حائرين أمام خفّاش مشتبه بحيازته جواز سفر صينيّ، قرّر أن يثور ليلاً على الطبيعة فتقيّأ وباءً وضيعاً حمل في طيّاته إيجابيّة واحدة وحيدة، ألا وهي إعادة تموضع الإنسان في هذه المجرّة ضمن حجمه الحقيقيّ كأصغر من ذرّة في كون غير متناهٍ، مُمَنّن فيه بكلّ نفس من أنفاسه المحتضَنة بغلاف كوكب اغتصب عراءه وغبراءه وعبابه، لاعقاً لُعاب شَرَهه وغريزته، فاستحق صفعة جرثوميّة لحمله على الإعتراف بإثمه واستغفار الخالق خائباً تائباً.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني