خطأ في التوقيت
خطأ في التوقيت

خاص - Sunday, January 16, 2022 8:01:00 AM

النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس

 

سنحت لي فرصة مشاهدة فيلم رائع على شاشة “Netflix” اسمه "بوابة الأبدية" عن حياة الرسام الهولندي فنسان فان جوخ. وهو بالإضافة إلى المشاهد الخلابة والتميثل الجميل يتضمن حواراً أرق من الشعر نابعاً من فكر عميق ورهافة حِسِّ نادرة.

قبل ذلك مثّل العملاقان كيرك دوغلاس وانطوني كوين حياة كل من فان جوخ وبول جوجان، ولكن الفيلم الجديد تضمن إضافات أحببت أن أشرككم فيها. منها أن جوجان يسأل زميله عن سر تركيزه على رسم الطبيعة على حساب اهتمامه بالوجوه، فأجاب إنني أقتطع جزءاً من الطبيعة وأنقلها إلى لوحتي لأحافظ على حيويتها، كما أنني أرسم الزهر الذي يموت، لأن أزهاري لا تموت أبداً.

وعندما سأله راهب زاره أواخرَ حياته في مأواه الاحترازي:

- لماذا ترسم؟

 أجاب:

- لأن الله خلقني لذلك، ولا أعرف عملاً آخر.

فقال له الراهب:

- لكنني لا أرى رسمك جميلاً، بل هو أقرب إلى القبح، ولم يشترِ أحد منك لوحة حتى الآن، فهل أعطاك الله هذه الموهبة لتشقى؟

- فأجاب فان جوخ:

- لقد دلّني الله على بوابة الأبدية، ولكن ربما كان هناك خطأ في التوقيت.

 قال الرهب:

-وكيف ذلك؟

أجاب:

-لأنه خلقني قبل أن يخلق الناس الذين سيفهمونني في زمن قادم، ويحبّون لوحاتي..

أضاف:

-ربما أنا أمثل الغرس السابق على الحصاد.

ويوم الأربعاء الماضي كتب سمير عطالله، أنه بعد أن استمع إلى غسان سلامة في برنامج "صار الوقت"، تذكّر أن الرئيس المثقف المرحوم أمين الحافظ هتف له يوماً بعيد تعرّفه على غسان على شاشة N.B.N، سائلاً كيف لا يكون هذا الرجل وزير خارجية لبنان على مدى الحياة؟ لعل الجواب كان أن المسألة أيضاً هي مسألة خطأ في التوقيت وأن سلامة ليس لهذا الزمان، أو أنه مطرود من التداول السياسي لأن العملة الرديئة تطرد العملة الجيّدة كما تقول القواعد، ولذلك راج صيته في المحافل الجامعية والمهمات الدولية كما تعرّض لأشنع الاتهامات، فظلّ وفيّاً لدولته ونظامه الذي علّمه وأظهر مواهبه (كما يعترف)، ما حدا به لأن يجمع مع عائلته تبرعات فورية ناهزت سبعة ملايين دولار بعد انفجار بيروت.

أما فؤاد شهاب مؤسس العسكرية اللبنانية فرفض ركوب الدبابة للوصول إلى القصر، وتلك كانت أقصر الطرق في الإقليم، وتقيّد بالكتاب، ورفض التجديد في خطاب سياسي راقٍ فَنّد فيه ثغرات النظام، بعد أن ترك إصلاحات بنيوية جوهرية، فكأني به يقول بعد أن خذله من خذله:

أنا في أمة تداركها الله            غريب كصالح في ثمود

نعود إلى ما نحن فيه، فأرى، أنّ شخوص الطبقة السياسة الجالسة على رقابنا قد جاءت أيضاً في التوقيت الخاطىء ولكن بطريقة معكوسة، أي أن هؤلاء أتوا بعد الزمان المقدّر لولادتهم بفترة طويلة، ولكنهم ليسوا من أهل الكهف قطعاً الذين قالوا: "ربّنا آتنا من لدنك رحمة، وهيّىء لنا من أمرنا رشدا"، فهؤلاء ضرب الله على آذانهم فما يسمعون إلا نداء مصالحهم، وهم أولى أن يكونوا من أهالي كهوف القرون الهمجية يتغذون بلحم البشر، ويتكلمون لغة العصر الحجر، ويكشفون عن عورات نفوسهم بخطب الغريزة.

اعتذر من أصدقائي المستمعين، إذ أنزلتكم فجأة من الطبقات الفضائية العليا إلى اطباق المفجوعين النهمين الذين أفنوا العناقيد وما بشموا، فأعود بكم إلى ما بدأت به عن "بوابة الأبدية"، حيث يعقد المؤمن صداقته الخاصة مع الخالق، على غرار ما مارسه فان جوخ، وما فعله الحلاج الذي آثر أن يقطع، إرباً على التخلي عن خصوصية علاقته الرباينة وهو القائل:

دنيا تخادعني كأني          لست أعرف حالها

حظر الاله حرامها          وانا اجتنبت حلالها

يقول السيد المسيح: لي خراف ليست من هذا القطيع.

أو ليس لهذه الخراف رعاة من خارج هؤلاء القطّاع؟؟؟

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني