حيث تكون مصالح الناس ثمّة شرع الله!
حيث تكون مصالح الناس ثمّة شرع الله!

خاص - Sunday, January 23, 2022 6:46:00 AM

النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس

 

قالت أسماء الحمادي:

ما تَعَثَّرْت ارتباكًا يا حصى

أو جنوحًا لاختصار الألف ميلْ

ليس ذنبي أن دربي ما استوى

كان ذنبي ثوب أحلامي الطويلْ.

أما شارل بودلير، فيشبه الشاعر بطائر الألباتروس وهو "القطرس" بالعربية، أميرُ الغيوم الذي تعيقه أجنحته العملاقة عن السير على وجه الأرض.

وفي مثلِ هذا يقول الشاعر المصري الراحل صلاح عبد الصبور:

لقد أردنا أن نرى أوسع من أحداقنا،

وأن ننال باليد المجذوذة الأصابعِ سماء أمنياتنا.

انتخبت لكم هذه المقاطع الرائعة التي تبرز آلام التضاد بين المأمول والممكن، لأنني ملتزم حيالكم بتقديم الجميل المعبّر والعابر إلى أمر راهن يرين علينا فلا يجدر بنا تجاهله بالذهاب إلى الكليات والمطلقات، فهذا شأن الشعراء والفنانين والأدباء والفلاسفة، أما أمور الناس فلا ينبغي للسياسي أن يعالجها بالإحالة إلى هؤلاء؛ خصوصًا وأن معظم الساسة لا يليق بهم الأدب، فإن حصلت لهم به قرابةٌ، وجَبَ اتخاذُها للتأمل والاغتذاء الفكري والثقافي، بغية ابتكارالحلول الممكنة للمسائل المعقدة.

وعليه، فقد أشرت في مناسبات كثيرة إلى أن الاستحقاق الانتخابي بات أمرًا قانونيًّا منجزًا، تحوم حوله شبهات ووساوس أشار إليها غبطة البطريرك، وسماحة المفتي وسيادة المطران، وأهل رأي، وذلك من باب الحذر والتحذير، لأن كل محاولة لإرجاء الانتخابات ستكون مريرة العاقبة.

فإذا انتقلت إلى وضع الرئيس الحريري حيال هذه المسألة كان عليَّ أن ألفت نظره –وقد أصبح الآن بيننا- إلى أن مئاتِ الآلاف أو عشراتِها، أو ألوفَها، لا يستحقون أن يبحثوا عن قراره من أقوال العرّافين والمنجّمين، ونجوم البرامج من مدعي الإحصاء الذين يجزمون ويبشرون بأنه انتبذ من أهله مكانًا قصيًّا، وصار مقصيًّا بناءً على عوامل موضوعية وإقليمية وشخصية؛ ولهذا أخاطبه بالمباشر فأقول:

يا دولة الرئيس إن كثيرًا مثل أبيك أصابوا ثروة ضخمة فظلوا مصنَّفين من طبقة رجال الأعمال، فإن طفح من أحدهم خيرٌ سُمّي (المحسن الكبير).

أما رفيق الحريري فقد زار في الظلام الدامس أسواق بيروت، وتنقّل بين المتاريس والخراب، وفرَّت من أمامه بومة ونعق غراب، أو ربما تعثّرت قدماه بالزواحف والقوارض، لكنَّ عينيه أرَتاه بيروتَ على الشكل الذي هي عليه الآن، فكان كل الذي كان من نقل الرؤية إلى الحقيقة: استثمر علاقته بالمملكة بل أشركها معه في مشروع نهضة لبنان، ثم انتشرت صداقاته المجدية من مهاتير محمد إلى جاك شيراك ورؤساء أميركا وروسيا والصين، من غير أن ينسى يومًا أنه قومي عربي، فبقيت مقاومة الشعب اللبناني للاحتلال الإسرائيلي ملءَ قلبه ووجدانه وسعيه وحسن بلائه. وبعد كل ما أنجز، صبر على التجني والظلم، والتآمر، فما رفّ له جفن رغم أنه توقّع قتله.

سلمت من الأذى، ولا يطلب أحد منك الارتماء في التهلكة لكنني ألفتك إلى أمر غايةٍ في البساطة: أنَّ معظم الناس مطّلعون على ما أنت فيه، وكثيرًا منهم يتعاطف، وبعضًا غير قليل يشمت، بل إن جهاتٍ تعتبر اعتزالك انتصارها الوحيد في خِضم فشل الخمسِ السنوات، فعليك ألا تنسى على الإطلاق أنك مرتبط بعقد مع الناس أُبرم في شهر شباط من العام 2005 وخُتم بالدم، ووقّعتْ على مضمونه مئات آلاف الحناجر، ومئات آلاف الأصوات، وعليك أن تنتبه إلى أن هذا العقد لم يزل ساري المفعول، فلا يجوز فضّه بالإرادة المنفردة ولا بالتذرّع بالظروف الطارئة أو القوة القاهرة، ولا بد لك إذًا من أن تجري المفاوضات مع العاقدين ولذلك يحق السؤال:

لماذا يلتزم الجمهورُ القلقُ الصمتَ والترقب، فيما هو الطرف الأكبر في العقد الذي أبرم لمصلحته وعلى نيّته؟ ولماذا يتقصى خبرًا من هنا أو نبوءة من هناك، ولَه الحقُّ وعليه الواجبُ أن يخاطبك جِهارًا نهارًا، بملء الصراحة والمسؤولية، ويسألَك عن موقفك النهائي ويعبّر لك عن مخاطر الانكفاء؟ ولماذا لا يتحدث السياسيون وأهل الرأي وهم من مختلف الطوائف عن هواجسهم من غير تورية أو تحفّظ؟

فمتى تروي غليل الناس، وتدخل معهم في حوار قبل أي قرار؟ وبعد ذلك فليكنْ لكل حادث حديث. مع لفت النظر إلى أنك إن كنت لم تحسب أي حساب شخصي عند توقيعك العقد منذ سبعة عشر عامًا، فإن عليك الآن، أن تحسب ألف حساب؛ فالسياسة صعود وهبوط، وإنجازاتٌ وخيبات؛ لكنْ حيث تكون مصالح الناس ثمة شرع الله! والسياسة قرار يتخذ ورؤية واضحة وخطة عمل واقعية، وبعد ذلك يُسعى إلى تكوين الحلفاء.

لا أدعوك إلى مسيرة الألف ميل، لكنَّ علينا أن نقصّر ثوب أحلامنا الطويل.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني