د. محمود أحمد طراد*
ماذا لو أتينا بمجموعةٍ من البشر خبّأناهم في جزيرة لمدة عشرين عاماً وألقينا بهم في شارعٍ من شوارع العاصمة الفرنسية باريسَ الصاخبة منتصف النهار!! كيف سيتعايشون؟
أم ماذا لو وضعنا مجموعة أخرى في قرية من غابات الأمازون في أميركا الجنوبية وقطعنا عنهم كل وسائل الاتصال والتواصل الحديثة لمدة عامين فقط!؟
لا شك أن الحياة منذ الأزل قابلة للتبدل والتطور والتغيّر حتى، لكن هذا التسارع الهائل المتنامي يرخي بظلاله على حركة المجتمع وعلى حركة الأفراد داخله وتفاعلاتهم....
في السابق، كان لدخول التلفاز والحاسوب على عالمنا تأثير جذري على العلاقة بين الآباء والأبناء او ما نسمّيه في مناهجنا بصراع الأجيال، بكل بساطة تبدلت وسائل المعرفة والتكوين الثقافي فضاقت مساحة التلاقي والتفاعل إلى أن استقر الأمر على أجيالٍ كاملة تغرِف من ذات المنبع بميولٍ متعددة متنوعة لا شقاق فيها...
أما ما شهدناه ونشاهده اليوم من ثورة تقنية وتكنولوجية في وسائل التواصل والاتصال مترافقة مع تبدلات هيكلية في عالم اليوم: اقتصادية واجتماعية وأيضاً بيئية، فإنه يجعل كل واحدٍ فينا يقلّب كفيّه على ما سيصنع العصر بأبنائه، أبناء العصر القادم-المجهول...
بإمكاننا مثلاً، إحصاء أربعة أجيال على الأقل في عشر سنوات ( جيل فيسبوك، جيل انستغرام، جيل تيك توك وجيل تويتر الأكثر فهماً للحياة ربما باعتباره الأكثر معرفة وقراءة)، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإنسان قد تحول من كائن إجتماعي إلى كائن تكنولوجي خاضع لأدوات التكنولوجيا أو أداة بيدها...
هو انفصال الأجيال في العصر الحديث لا صراع الاجيال، ففي الصراع ربما تلاقٍ واحتكاك وتواصل، أما الانفصال فهو ان الأجيال المتعاقبة باتت تعيش في عوالم متعددة لكن منفصلة: هاتِ ناشطاً فيسبوكياً وآخر من تيك توك وأجري بينهم نقاش وفي نفس المجال وإليك النتيجة السلبية الحتمية لغياب التفاعل...
اما الكارثي فهو الخضوع المطلق لرواد وسائل الاتصال الحديثة لما يسمى بالمؤثرين والشخصيات العامة الذين يتناولون موضوعات عامة وخاصة تعني الرأي العام من وجهة نظر أُحادية وربما مبتذلة تمثل تجربة ذاتية مع الحياة من الأفضل أن تعمم بحذر، وبالنتيجة نحصل على جيل شبابي شامل غايته الحياة المادية ووسيلته التكنولجية وقدوته الحسنة هؤلاء المؤثرين ....
يكثر الكلام ولا يقل عن جوانب تأثير تكنولوجيا العصر على ديناميّة المجتمع ومع كثيرٍ من ايجابيات عالم العولمة تبقى أساليب معالجة السلبيات هي التحدي ومنها ما هو الدور الرائد والطبيعي والملقى على عاتق الأهل الذين عليهم أن يفهموا عصرهم وعصر أبنائهم كي يتقنوا التعامل مع فنونه وجنونه....
*كاتب لبناني مقيم في أوروبا