رنى سعرتي
أن يتقبّل المودعون الاقتطاعات التي يمارسها مصرف لبنان منذ اندلاع الأزمة على حساباتهم، من خلال التعاميم التي تسمح لهم بسحب اموالهم بالليرة على اسعار صرف متعدّدة او بالدولار «بالقطّارة»، وعلى سعر صرف تحدّده منصّة مصرف لبنان، هو أمر أسهل وأجدى من أن تعلن الحكومة خطة للتعافي والنهوض الاقتصادي، تنصّ على تحميل المودعين حوالى 55 في المئة من خسائر القطاع المصرفي.
رغم انّ الحالتين تؤديان في النهاية الى تبخّر ودائع الناس، إلّا انّ وقع ممارسة الاقتطاعات من دون الإعلان رسمياً عنها، يبقى أكثر قبولًا على ما يبدو لدى المودعين الذين استسلموا للأمر الواقع ويواصلون سحب ودائعهم بخسائر تفوق الـ 50 في المئة من قيمتها الحقيقية.
تواجه خطة التعافي التي وضعتها الحكومة اعتراضات من كلّ حدب وصوب، لأنّها بالدرجة الاولى تأتي في زمن الانتخابات، حيث من الطبيعي ألّا تحصل على تأييد سياسي، مما يؤثر على القاعدة الشعبية للكتل النيابية الممثلة في الحكومة، وفي الدرجة الثانية، لأنّها تحمّل المودعين النسبة الأكبر من الخسائر او الفجوة المالية المقدّرة بـ69 مليار دولار.
في هذا الإطار، أوضح الخبير الاقتصادي مايك عازار لـ»الجمهورية»، انّ أبرز البنود التي تتضمّنها الخطة، والتي «قيل» إنّ صندوق النقد الدولي رفضها او اعتبرها غير صالحة او ناجعة لوضع برنامج تمويل وفقها، مرتبطة بكيفية توزيع الخسائر بين المودعين ومصرف لبنان والدولة. وشرح عازار انّ الخطة قسّمت الودائع الى 5 فئات:
- شطب 75% من الفوائد التي تمّ تسديدها على كافة الودائع مهما كان حجمها، بين العام 2015 لغاية اليوم.
- شطب 40% من الودائع بالليرة التي تمّ تحويلها الى الدولار بعد تاريخ تشرين الاول 2019 (علماً انّه لا يزال من غير المعلوم كيف سيتمّ التعامل مع الودائع التي تمّ تحويلها وصرفها).
- تسديد الودائع التي تقلّ قيمتها عن 150 الف دولار على مدار 15 عاماً، بالدولار النقدي بما قيمته سنوياً، ملياراً و700 مليون دولار، من خلال موجودات المصارف. (علماً انّه سيتمّ تقييم موجودات المصارف للتأكّد من قدرتها على تسديد تلك الودائع، حيث انّ بعض المصارف لا يملك تلك السيولة، في حين انّ البعض الآخر يملكها. وبالتالي لا نعلم كيف سيتمّ التعامل مع المصارف المتعثرة).
- إيداع الودائع التي تتراوح قيمتها بين 150 و500 الف دولار في صندوق استثماري (شركة لإدارة الاصول)، حيث سيحصل أصحاب تلك الودائع على حصة في هذا الصندوق، على ان يتمّ تسديد تلك الودائع أيضاً على مدّة 15 عاماً ولكن بالليرة وعلى سعر الصرف الذي يكون سائداً في حينها، أي انّها لن تخسر من قيمتها الحقيقية.
- تحويل 55% من الودائع التي تفوق قيمتها 500 الف دولار، الى أسهم في المصارف، ليصبح أصحاب تلك الودائع، مساهمين بنسبة 72% في رأسمال المصرف المعني، على ان يتمّ تحويل النسبة المتبقية (45% من تلك الودائع) الى الصندوق الاستثماري.
وأوضح عازار، انّ هذه المعادلة ستنشئ صندوقاً استثمارياً تبلغ قيمة مطلوباته: 6 مليارات دولار (الودائع بين 150 و500 الف دولار) و10 مليارات دولار (الودائع التي تفوق 500 الف دولار) بالإضافة الى حوالى 24 مليار دولار (قيمة الفوائد والودائع المحوّلة الى الدولار والتي تمّ شطبها).
وقال انّه سيتمّ تمويل هذا الصندوق برأسمال، من أجل تمكينه من تسديد تلك الودائع (40 مليار دولار من المطلوبات) بالليرة، «وهنا يكمن جزء من المشكلة، حيث هناك شكوك في القدرة على تمويله».
اضاف: «وفقاً لخطة الحكومة، سيموّل مصرف لبنان هذا الصندوق بقيمة 11 مليار دولار نقداً، بالإضافة الى ما يعادل 20 مليار دولار، بالليرة على سعر صيرفة، و5 مليارات دولار سند خزينة (حصة الدولة من التمويل) بفائدة سنوية».
وشكّك عازار في قدرة الصندوق على تسديد الودائع سنوياً، حيث انّه من غير الواضح كيف سيتمكن مصرف لبنان من تأمين الـ11 مليار دولار للصندوق ومن تسديد الودائع التي تقلّ قيمتها عن 150 الف دولار، بالدولار نقداً ايضاً. بالإضافة الى ذلك، سيؤدي تأمين مصرف لبنان 20 مليار دولار للصندوق، بالليرة، الى طبع الليرة سنوياً (15 من قيمة تلك الفئة من الودائع) مما سيؤدي الى زيادة نسبة التضخم وارتفاع الاسعار، وبالتالي الى مزيد من انهيار الليرة.
وتابع: «تستدرك الخطة مخاطر التضخم وارتفاع الاسعار وانهيار الليرة، وتشير الى إمكانية استخدام احتياطي الذهب لدى مصرف لبنان لحماية الليرة اي لإعادة امتصاص السيولة النقدية بالليرة من السوق، من خلال بيع الذهب واستخدام الدولارات المتأتية لشراء الليرة من السوق. كما تشير الى امكانية تسديد الودائع بالليرة، من خلال بطاقات ائتمانية لتقليص حجم السيولة النقدية المتداولة».
وفيما اعتبر عازار انّه لا يمكن وضع خطة تضمّ مخاطر كبيرة لناحية التضخم، حيث تتوقع الخطة ضخ 700 تريليون ليرة في السوق خلال 15 عاماً، سأل: «ماذا يحصل في حال تعثرت الدولة عن تسديد فوائد سند الخزينة المودع بالصندوق والمقدّرة بحوالى 150 مليون دولار نقداً سنوياً؟ وفي حال عدم نمو الاقتصاد وعدم تحقيق الحجم المتوقع من الدولارات المتوقع ان تدّرها الصادرات او التحويلات من الخارج؟».
ولفت عازار، الى انّ هناك مخاطر كبيرة متعلقة بميزانية مصرف لبنان وتحديداً بقيمة المطلوبات الكبيرة في مقابل عدم وجود خطة او وضوح حول كيفية إعادة تكوينه لاحتياطه من العملات الاجنبية، «علماً انّه وفقاً للخطة هناك 16 مليار دولار قيمة احتياطي الذهب و11 مليار دولار قيمة الاحتياطي الحالي، ستيمّ استخدامها بشكل غير مباشر ومباشر على التوالي لتمويل الصندوق».
وأشار عازار الى انّه وفقاً للخطة وبعد عملية إعادة الهيكلة هذه، ستبقى ميزانية مصرف لبنان واقعة في عجز قيمته 3 مليارات دولار بعد 15 عاماً، علماً انّه من غير المعلوم كيفية تحقيق مصرف لبنان الأرباح المتوقعة خلال فترة الـ15 عاماً. (تجدر الاشارة الى انّ مصرف لبنان لم يحقق خلال الـ20 عاماً الماضية أية ارباح).
وختم عازار مشكّكاً في إمكانية تطبيق خطة الحكومة كما هي، إلّا انّه اشار الى انّها تساعد فقط في فهم توجّه الحكومة.