بداية صيفيّة لشهر نيسان.. هل نخسر ثروتنا الثلجيّة وتلتهمنا الحرائق؟
بداية صيفيّة لشهر نيسان.. هل نخسر ثروتنا الثلجيّة وتلتهمنا الحرائق؟

أخبار البلد - Friday, March 25, 2022 6:00:00 AM

يمنى المقداد - الديار

«خبّي فحماتك الكبار لعمّك آذار»، لطالما تردّد هذا المثل الشعبي على مسامعنا مذ كنّا أطفالا ويدّل على أنّه شهر بارد جدا، في وقت يستغرب فيه الكثيرون اليوم هذا الطقس العاصف والمثلج والبارد، ويقولون إنّ لبنان لم يشهد مثله منذ نحو 40 عاما.

 
عموما، الحالة العامة لآذار لبنان هذا العام: عدة منخفضات جويّة أدت إلى تراكم الثلوج وتدني درجات الحرارة لمستويات قياسية بالنسبة للجيل الحالي تحديدا، وهي أقل من معدلاتها الموسمية بحوالى 6 درجات مئوية. هذا الطقس المستجد، طرح تساؤلات عدّة عما إذا كان شتاؤنا متطرفا كما سواه من أحداث لبنان؟ وهل تأخر ربيعنا؟ وماذاعن طقس صيفنا؟

أكثر من ذلك، ذهبت الكثير من القراءات العلمية إلى الحديث في السنوات الأخيرة، حول ما يعرف بـ «عودة الجليد»، وأن هناك علاقة وثيقة بين التغيّرات المناخية، وبين الجليد المحتمل أن يعود بقوّة، وما شتاءات بعض الدول إلا خير دليل على ذلك.

آذار لبنان إستثنائي

شتاء لبنان المثلج هذا العام، فتح الباب واسعا أمام تكهنات تتعلّق باحتمال تطرف فصوله وتقلّصها، إحتمال لم يتبناه رئيس قسم التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت محمد كنج في حديثه لـ «الديار» حيث اشار إلى أنّ ظاهرة الفصول الأربعة عادة ما تكون واضحة في المناخ المتوسطي وخاصة في منطقتنا، موضحا أنّنا مسنشهد إرتفاعا في درجات الحرارة مع بداية فصل الربيع، واصفا شهر آذار من هذا العام بأنّه إستثناء مقارنة مع السنوات الماضية، حيث وصلت درجات الحرارة في بيروت إلى حدود 5.2 درجة مئوية، وأقرب درجة حرارة لها سجلت في الثمانينيات أي منذ حوالي 40 سنة، فضلا عن برودة واضحة ترواحت بين 4 و 6 درجات بنسبة أكبر من أشهر آذار التي مرّت على لبنان منذ 30 سنة ( 1979- 2010).

وشرح كنج أنّ شتاء هذا العام لم يكن غزيرا بالأمطار، مقارنة بعامي 2018 و 2019 القريبين، لكنه سبق المعدلات السابقة ما عدا بيروت، إذ بينما يفترض أن يبلغ معدل شهر آذار نحو 110 ملم، تأخر في بيروت (100 ملم) وتجاوز المعدلّ في طرابلس( 200 ملم)، وفي وقت لم تصل فيه السنة المطرية الحالية إلى المعدّل (825 ملم) تجاوزت كميّة الثلوج المعدل، وانّ أيّام البرد في شهري آذار وشباط أكثر من قبل، كما أحدثت العواصف الثلجية تراكمات عالية لم نر مثيلا لها منذ سنوات.

نظرا لامتداد الطقس القطبي طيلة شهر آذار تقريبا، كثرت التحليلات القائلة بأنّ الربيع تأخّر وربما لن يأت، كنج لم يقرأ الموضوع من هذه الزاوية، فقد اعتبر أنّ تأخّر تساقط الثلوج سيعطي روحا لفصل الربيع الذي سيمتد لفترة أطول، مضيفا أنّ تراكم الثلوج في المناطق الجبلية في هذا الشهر تحديدا، سيؤدّي إلى غزارة في الينابيع والأنهار وسيبقيها لفترة أطول يمكن أن تصل إلى أوائل فصل الصيف ما ينعكس إيجابيا على المزروعات الربيعية والصيفية.

نيسان لبنان

كنج تطرّق إلى «موجة دفا» ستطالع لبنان في 29 آذار الجاري، والمناطق الجنوبية هي الأكثر تأثرا بها، كما ستتخطّى درجات الحرارة معدلاتها في نهاية آذار وبداية نيسان وستتراوح بين 25 و 30 درجة مئوية في بيروت وأكثر من 30 درجة مئوية جنوبا، ما يمكن أن يحدث ذوبانا سريعا للثلوج.

وتابع: أنّنا سنشهد ارتفاعا في درجات الحرارة في نيسان، إذ عادة ما نتعرّض في هذه الفترة من السنة إلى رياح خماسينية، وقال: فصل الربيع سيكون «حلو» بالإجمال، وسنشهد أنهارا وينابيع غزيرة وستبقى لفصل الصيف، وذكر أنّ معدّل الأمطار يجب أن يبلغ في نيسان نحو 46 ملم، مشيرا إلى أنّ السنة المطرية (من أيلول حتى آب) شارفت على نهايتها.

وفق كنج تنتشر مقولات قديمة مفادها أنّه إذا كان الشتاء قاسيا فإنّ الصيف سيكون كذلك بحيث يبقى التوازن المناخي ثابتا، لكن هذا الشيء ليس دقيقا، فأحيانا إذا كان هناك تطرفا مناخيا في منطقة ما، قد يقابله تطرف مناخي معاكس في منطقة ثانية، علما أنّ هذا الخيار أيضًا لا يمكن تأكيده ، ولفت إلى أنّنا لا نستطيع الجزم منذ الآن ان الصيف سيكون «متطرّفاً» إذ لا تزال الفترة بعيدة نسبيا (21 حزيران) .

مؤشرات التغيّر المناخي والتوقعات

بعد إحصاء حالة الطقس هذا العام، هل يمكن القول إنّ الثلوج الكثيفة والأمطار القليلة، وآذار الإستثنائي، ونيسان الحار هي من آثار التغيّر المناخي في لبنان؟

المستشار في سياسات تغيّر المناخ، الخبير البيئي وائل حميدان يؤكّد لـ «الديار» أنّنا لا نستطيع علميا ربط حدث مناخي واحد مباشرة بتغير المناخ، والذي يرصد التغيرات في درجة الحرارة وكمية المياه والثلوج عبر السنين. ومن المؤشرات يذكر ارتفاع درجات الحرارة، انخفاض في كمية المياه، إنحسار الأمطار وهطولها بشكل غزير خلال وقت قصير ولا يكون توزيعها كبيرا خلال السنة، كما تنخفض كميّة الغطاء الثلجي وتقلّ كثافته كثيرا، وتوقّع أن تكون هناك مشكلة جفاف أكثر وأمطار وثلوج أقل، فقد خسر حوالي 20-30 % من كمية الثلوج، وهي نسبة ستزيد في المستقبل ويمكن أن تمرّ سنوات على لبنان من دون ثلوج، اذا لم يتم العمل على تغيّر المناخ بشكل صحيح، وشرح بأنّ إستراتيجية العمل على تغيّر المناخ في لبنان تتوجّه نحو زراعة منتوجات تعتمد على المياه بدرجة أقل.

شتاء هذا العام هو «فأل خير»، وفق حميدان، ولو لم يكن هناك تغيّر في المناخ، كان يمكن أن يكون الشتاء أقسى بكثير، وعندما يكون هناك سنة فيها شتاء موزع وثلوج كثيرة فهذا شيء جيد لأننا سنفقده في المستقبل بسبب تغير المناخ .

وتوقّع للبنان والمنطقة أن تواجه تغييرا في الفصول وسيكون هناك فصلان بدل أربعة، ولكنهما فصلان قويان يعني شتاء قاس جدا يليه صيفا قاس جدا، وأكد أنّنا لا بدّ أن ننتظر لنر إن كان هذا الصيف قاسيا جدا وما إذا كنا سنشهد فصلا ربيعيا معتدلا، مضيفا أنّه علينا المتابعة سنويا، لنقرر لاحقا ما إذا كان موضوع تغير المناخ سيؤدي الى توزيع الفصول.

لعله الأثر الوحيد الابرز، برأي حميدان من آثار تغيّر المناخ في لبنان، ومن الملاحظات التي تطرّق إليها انتشار أكبر لحرائق الغابات في لبنان، فالفصل الذي تحدث فيه حرائق الغابات أخذ بالتوسع، فمعظم الحرائق كانت تحدث في فترة ما بين 2- 3 أشهر كحد أقصى، فيما توسعت اليوم إلى ما بين 4 - 6 أشهر، وقد كشفت دراسة لـ «البلمند» أنّ هناك توسعا في موسم الحرائق والجفاف وزيادة في عدد الحرائق بشكل عام، وأنّ هذا أحد آثار التغير المناخي التي رأيناها.

ويذكر حميدان هنا، أنّ هذا الجيل لم ير شتاء مماثلا من قبل، ومن المعلوم أنّ الشتاء يكون بين فترة وأخرى قويا وبرده قارسا وكانت تصل الثلوج إلى سواحل بيروت وكلّ لبنان سابقا، ولفت إلى أنّ هذا النوع من الشتاء سيقلّ، معتبرا أنّ وجود شتاء قاس أمر جيد للبنان لأنّنا بحاجة للمياه وخاصة إذا كانت مجتمعة من خلال الثلوج وتستمر لفترة طويلة وتذوب ببطىء وتتتسرب إلى خزان المياه الجوفية، ولكن إذا أصبح الطقس حارا جدا وأدى الى ذوبان هذه الثلوج بسرعة، فلن نستفيد منها كما يجب، إضافة إلى أن عامل الشتاء القوي يحدث انجرافا في التربة ما يخسرنا قدرتنا الزراعية تدريجيا.

مفهوم الشتاء والربيع

أمر ثان يتعلق بمفهومنا لماهية فصلي الشتاء والربيع لفت إليه حميدان، فالمجتمع عادة ما يربط إستمرار فصل الشتاء بتساقط الثلوج والبرد القارس وتشغيل المدفأة، ويعتبر إنتهاء هذه العوامل مؤشرا على انتقالنا من فصل الشتاء الى فصل الربيع، ولكن فصل الربيع وفق حميدان قد حلّ في لبنان، وهناك مؤشرات مثل «التزهير»، وخضرة الطبيعة وعودة الطيور المهاجرة من أفريقيا الى أوروبا، لافتا إلى أنّه لا يعني أنها لا تمطر أو تثلج أو تتدنى درجة الحرارة في هذا الفصل، مؤكدا على مرور سنوات من هذا النوع على لبنان وليس دقيقا ما يقال إنّه خلال 40 سنة الأخيرة لم يمرّ مثل هذا الشتاء.

خلاصة القول... شتاء لبنان إيجابي في أوج الزمن السلبي... والسؤال الأبرز: هل سنتمكن من الإستفادة من ثروتنا المائية كي لا تذهب هدرا كما ذهبت مقدّرات البلاد والعباد؟

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني