المساحات العامة في لبنان غائبة.. والدولة لا تعرف مساحة أراضيها
المساحات العامة في لبنان غائبة.. والدولة لا تعرف مساحة أراضيها

خاص - Friday, June 10, 2022 1:18:00 PM

علي عواضة

لسنوات طويلة قونن المشرعون في لبنان الاعتداء على الأملاك العامة لتحويلها إلى أملاك خاصة أو استثمارها لعقود مقابل بدل زهيد سنوياً لتصبح سياسة الاعتداء على الأملاك العامة خصوصاً خلال فترات الأزمات الأمنية والسياسية هدفاً لكلّ قادر ومتموّل.
الاعتداءات على الأملاك العامة أو إهمالها، يمنع دخول أموال طائلة إلى خزينة الدولة، إذ تقدّر مساحة أراضي أملاك الدولة العامة المباشرة وغير المباشرة بحوالي 852 مليون متر مربّع وهي مساحات شاسعة ومعظمها مهمل وغير مستثمر أو معتدى عليه أو يجري استثماره على نحو غير منتج، بحسب رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص، كما تقدر قيمة المساحات العامة المباشرة وغير المباشرة بنحو خمسين مليار دولار إلّا أنه لم يتم تخمينها مؤخراً بشكل رسمي خصوصاً وأنه إذا تم تخمينها خلال الأزمة التي تمرّ بها البلاد وفي ظل وضعها الحالي وتعثّر الدولة وقطاعاتها يخشى من تخمينها بأقل من قيمتها الفعليّة.
وفي ظل الانهيار الاقتصادي في لبنان تجد العائلات الفقيرة نفسها أمام فصل صيف يحرقها من كافة الجهات، فمع غياب كهرباء الدولة وارتفاع أسعار اشتراكات المولدات الخاصة، وارتفاع أسعار المحروقات، لا يوجد أمام العائلات المحدودة الدخل أي متنفس أمامها سوى المساحات العامة الغائبة أصلاً عن سياسات الدولة اللبنانية لصالح المنتفعين.
تشكل هذه الأزمة عائقاً أمام هبة عسكر، فهي لا يمكنها إخراج اولادها إلى أي مكان في بيروت حسب تعبيرها، فقضاء يوم على المسبح مثلاً سيكلفها ما لا يقل عن 700 ألف ليرة لبنانية، بينما راتب زوجها الشهري لا يتعدى المليون و900 ألف ليرة، وفي حال قررت الذهاب إلى المسابح العامة فيتوجب عليها الالتوجه إلى خارج العاصمة نظراً لتلوث شاطئ الرملة البيضا في بيروت، ما يعني أنها ستتكلف حوالي 800 ألف ليرة ما بين مواصلات ومتطلبات قضاء يوم على البحر، أي نصف راتب زوجها الذي تدفعه لاشتراك المولد.
بحسب رئيس جمعية "نحن" محمد أيوب فإنّ نصيب الفرد من المساحات الخضراء في بيروت هو فقط 0.8 م2، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بوجود مساحات خضراء في المدينة بحد أدنى هو 9 م2 لكل فرد، ومن أهم المساحات الخضراء في بيروت هو حرش بيروت والذي يفترض لولا التعديات عليه أن يكون حجمه مليون و200 ألف م2، ليبقى منه مليون و300 ألف م2.
وبحسب أيوب تبلغ مساحة الشاطئ في لبنان 220 كلم لم يبق من هذه المساحة سوى 20% فقط كمساحة عامة مفتوحة للعموم، معظمها يعاني من تلوث للمياه كشاطئ الرملة البيضا. وقد بلغت حجم التعديات على الشاطئ أكثرمن 5.2 مليون متر مربع، 2.5 مليون متر مربع منها مشرعة، والأرقام إلى ارتفاع خصوصاً خلال الأزمة الاقتصادية الحالية.
تشريع التعديات بدأ خلال الحرب الأهلية مع سيطرة المليشيات على البحر، كما تم تشريع قوانين خلال فترة الحرب للاستثمار في الأملاك البحرية، وبعد انتهاء الحرب تم تقاسم "غنائم الحرب" من الأملاك البحرية، وتم شرعنت القوانين لذلك، حيث سمح الاستثمار وبمعدلات معينة، كمرسوم رقم 4810 سنة 1996 والذي سمح بترخيص الأشغال في المناطق المصنفة سياحية وصناعية، وبعدها صدرت العديد من المراسيم الاستئنائية للمتمولين والشركات باستثمار الاملاك البحرية، إلى أن صدر قانون رقم 444 للعام 2002 والذي يسمح بحماية البيئة، حيث تنص المادة 33 منه على حق الولوج الحر والمجاني إلى الأملاك العامة البحرية دون أي عائق للجميع. وبعد سلسلة ضغوطات أصدرت الدولة عام اصدرت الدولة عام 2017 قانون رقم 64 لمعالجة الاشكالات والمخالفات على الأملاك البحرية، ولكن ليس بهدف منع التعديات بل للحصول على بعض الأموال لتمويل مشاريع أخرى.
ولحماية العشرين بالمئة من المساحات البحرية المتبقية، تطالب جمعية "نحن" بتعديل القانون 2017 لمنع البناء على الأملاك العامة سوى للدولة من خلال "حصر حق إشغال الأملاك العمومية البحرية بالدولة فقط مرعاة للمصلحة العامة"، و"وضع مخطط توجيهي شامل للشاطئ بالاضافة إلى مخططات توجيهيّة محليّة مبنيّة على الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية، تحترم وتطبق بروتوكول الإدارة الكاملة للمناطق الساحلية"، وإزالة كافة التعديات على كامل الشاطئ، وتحديد الأملاك العامة البحرية، وتحديث قرار تنظيم الأملاك العامة البحرية144/سنة 1925.

وحول استعادة تلك المساحات العامة اكد الدكتور بول مرقص أن مؤسسة JUSTICIA " شاركت في جهود حكومية بصفة مستقلة وتطوعية، بهدف النهوض بالإقتصاد من خلال استثمار موجودات الدولة اللبنانية وقطاعاتها الإنتاجية (الاصول العينية والعقارية التي تعود ملكيتها للدولة) بشفافية وتحت رقابة وتدقيق دولي.
ولكن في ظل غياب أي إحصاءات رسمية ودقيقة للعقارات العامة والضعف في تصنيفها وصعوبة الوصول إلى المعلومات، من المهم إجراء تحديد للعقارات المملوكة من الدولة بشكل رسمي وجمعها بصندوق استثماري على شكل شركة وطنية وتسليم إدارتها فقط - دون بيعها - إلى شركات أجنبية متخصّصة من أجل إدارتها كما يلزم، كلّ شركة بحسب مؤهّلاتها ومجال عملها.
وحول تجريم الاعتداء على الأملاك العامة اعتبر مرقص أن الأولوية تفعيل جرم الاستيلاء على العقارات المنصوص عليه في المادتين /737/ و /738/ من قانون العقوبات اللتان تنصان على ما يلي:

المادة /737/: "من لا يحمل سنداً رسمياً بالملكية أو بالتصرف واستولى على عقار أو قسم من عقار بيد غيره عوقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من مائتي ألف إلى مليون ليرة.

تشدد العقوبة وفقاً للمادة 257 في كل من الحالتين التاليتين:

1 - إذا رافق الفعل تهديد أو عنف على الأشخاص أو الأشياء.

2 - إذا وقع الغصب على كل أو قسم من الطرقات العامة أو أملاك الدولة أو الأملاك المشاعية".

المادة /738/: "من استولى دون مسوغ شرعي على عقار أو قسم من عقار، بقصد السكن أو الأشغال أو الاستثمار أو الاستعمال لأي غاية أخرى، يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من مائتي ألف إلى مليون ليرة.
ورأى مرقص أن المادة 18 من قرار 186 يشير إلى أن" حقوق الدولة والبلديات على الأملاك العامة التي ليست مقيدة في السجل العقاري ولكنها مذكورة بهذه الصفة في خرائط المساحة الموضوعة وفقا لأحكام المادة 9 من القرار رقم 186 الصادر في 15 آذار سنة 1926 لا يمكن الطعن بها ولا إقامة أية دعوى بشأنها بعد انقضاء سنتين من تاريخ إيداع خرائط المساحة في أمانة السجل العقاري."
وفي ظل الحديث عن الاستثمار أملاك الدولة لكبح الانهيار الاقتصادي تبقى الدولة غائبة عن إجراء أي مسح رسمي ودقيق لأراضيها وممتلكاتها، بينما يمكنها تفعيل القوانين وتجريم المعتدين على املاكها والاستفادة منها، وفتح مساحات عامة للعموم.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني