فترة انتقالية حرجة
فترة انتقالية حرجة

خاص - Sunday, August 14, 2022 7:00:00 AM

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس

 

أَبْعِدِ العدَّادَ عَنْ صَوْتِ الغُرابْ

وَافْصِلِ الأيَّامَ عن يومِ الحِسابْ

وَتَحاشَ القَلَقَ الطَّافي على

رَيْبَةٍ بَيْنَ سَؤالٍ وَجَوابْ

واغْفِرِ النَّزْواتِ من جِسْمٍ ذَوَى

وَامْسَحِ الزَّلَّاتِ عَنْ لَوْحِ العِقابْ

ما حَيَاةُ النَّاس إلَّا زَلَّةٌ

أغْوَتِ التُّفَّاحَ..كي يُغْوي التُّرابْ

وَعَيْنا على أننا من صلصال كالفخار، وأن الجان من مارج من نار، وأكد القَصص الديني أن التراب الذي اصطفاه الله ونفخ فيه من روحه، وخلق له من ضلعه حواء، وقع في فخ غواية التفاح، فهبط مع أمِّنا من الفردوس إلى التراب مجددًا، فبكيا على هابيل قتيل أخيه، لتنصرف الإنسانية من بعد إلى كتابة المسرحيات والأساطير والقصائد واللاهوت والفقه والمطارحات حول العبثية والخلود. واحتكرت السياسات فردوس الأرض للفئات العليا المصطفاة وأرسلت الفقراء والتعساء إلى وعد بفردوس السماء مزوّدين بصكوك ممهورة بأختام الاستبداد وهمجية الحكام.

ذهب الفراعنة الشداد الذين تلبّستهم فكرة الخلود، فوجدناهم مخلّدين بآثارهم فيما خمدت حيواتهم في مومياءاتهم المجوّفة، وبقيت المأساة الإنسانية تدور حول غواية التفاحة، وهي غواية جميلة، أغرت البشرية بالحياة، لأن الحياة جميلة إذا نحّيت عنك وجل النهاية وجعلت كل ثانية منها هواية، فالهوى بالألف المقصورة ينتمي إلى إلف الهواء، وفعل التنفس هو متعة قائمة، فإذا أغوتني الحياة هويتها ولم أهوِ بها إلى حضيضها حتى لا يعادل فرح البدء حزن الختام، فأبشع الرفاق هم الذين يُنَغِّصون الرحلة بأنانياتهم وسماجاتهم ورغباتهم في إخلاء حافلات الحياة من راكبيها كي تخلو لهم المقاعد فيتقافزوا فوقها كما الدواريُّ وأنسال الجندب والقبوط، بعد تخريب المحركات وشرب البنزين، حتى إذا انقطعت بهم السبل صاحوا: أين الرفاق لا يأتون إلى دفش الحافلة لإكمال مسيراتهم الحافلة.

منذ سنتين وقرن كانت هناك إرادة لبناء دولة فيها بعض من ملامح الفردوس البشري، حيث تتلاقح الثقافات وتتكامل العقائد، وتنفسح الشرفات أمام حر الكلام وبدائع الفنون ورونق الصحافة، وتلاؤم الأنسجة وازدهار العيش في مناخ الحرية والتواصل وطيب الجوار، وكان اللسان فصيحًا والموقف صريحًا إلى ان عادت الغواية بمسلسل التفاح الحرام وقد سقطت عنها هواية الحياة، وآلت الفصاحة إلى هلوسة لم يسبق لها مثيل؛ والمهلوس في لغة العرب، هو الذي يأكل كثيرًا ولا يُرى أثر ذلك على جسمه، وهذه حال المتحكمين برقابنا، أما الهلوسة في علم النفس فهي هلوسة سمعية من أصوات غير حقيقية قد تبجل بالمستمع المستمتع بغروره؛ أو شمية قوامها الارتياب بكل شيء؛ أو بصرية يرى فيها المرء صورًا خداعة. وهناك أيضًا هلوسة "هبنا جوجية" hallucination hypnagogic لا أعرف معناها، وقد تكون تهيؤات ما قبل النوم، لكنها تنطبق جميعها عليهم في أي حال، مضافاً إليها الهلوسة الكلامية التي تأخذك إلى الماوراء وتدفعك إلى وراء الوراء، أو تقذفك إلى السماء كمثل الرجل المعلق في الفضاء الذي تحدث عنه الشيخ الرئيس ابن سينا.

نحن في فترة انتقالية حرجة، عنوانها الرئاسة ومناخها ترسيم ونووي وانتخابات إسرائيلية واغتيالات، وتلميع سلاح وقعقعة أصوات، وذهاب سريع نحو الإملاق أي الفقر المدقع، فوقَ خرائط جديدة يجري العمل عليها، وقد لا ننجو من بلواها... فهل يقدر اللبنانيون أن يعبروا حقل الألغام المدسوسة تحت كل يوم، بأقل الأضرار حتى تتسنى لنا فرصة تنفس، وفسحة تعقل؟

قال سقراط: إذا أقبلت الحكمة خدمت الشهواتُ العقول، وإذا أدبرت خدمت العقولُ الشهوات، فلنرتقِ إلى مصافِّ الساسة الحكماء، لأن من قصر عن السياسة صغر عن الرئاسة.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني