اعتبر رئيس الحكومة حسان دياب خلال "اللقاء الوطني المالي" في قصر بعبدا، أنه "يمكننا أن نلعن العتمة، لكن شيئاً لن يتغير في معاناة اللبنانيين، مشيرا الى أن "الحكومة واجهت تحديات كبرى واللبنانيين أصبحوا عاجزين عن الحصول على أموالهم من المصارف."
ولفت دياب الى "اننا كنا أمام مفترق طريق حاسم وجاء كورونا ليزيد الضغوط في ظل قدرات محدودة للدولة ونجحنا في هذا التحدي، واليوم وصلنا الى اللحظة التي علينا فيها اصلاح الأضرار الكبيرة التي حلت على البلد".
وشدد على أنه "لا مكان لتصفية الحسابات ويجب عدم فتح الدفاتر القديمة لأنه سيكون مكلفاً للجميع والوقت ضيق، واللبنانيون يراقبون كل خطوة، وما نطرحه في هذه الخطة ليس كتاباً منزلاً واليوم نعرضها امامكم"، لافتا الى اننا "اليوم نعبر نفقاً طويلاً والحوار ضروري لتوحيد الرؤية وتمكين الصفوف من مواجهة التحديات ومن الضروري أن نبدأ باصلاح الاضرار التي وقعت في البنية المالية للبلد والمعالجة تحتاج الى زخم وطني."
وقال دياب: "من حق اللبنانيين أن يقلقوا على مستقبل البلد ومستقبلهم والوقت ثمين جداً والخسائر الكبيرة متراكمة."
وفي ما يلي كلمة دياب كاملة:
"لطالما كان الحوار هو الوسيلة الأسلم لتفكيك المشكلات، ولإزالة الالتباسات، وتعبيد الطرقات وفتح الجسور.
أما عندما تكون هناك قضايا وطنية، فإن الحوار يصبح ضرورياً لتوحيد الرؤية وتمتين الصفوف في مواجهة التحديات الوطنية.
نحن اليوم نعبر نفقاً طويلاً، يمكننا بالحوار أن نجعله مضيئاً، فيخفف عن اللبنانيين ظلام الظروف الصعبة التي يعيشونها. ويمكننا أن نلعن العتمة، لكن شيئاً لن يتغيّر في معاناة اللبنانيين.
لقد خاضت الحكومة في ثلاثة أشهر، تحديات كبيرة وضخمة، لكنها كانت مصرّة على معالجة الواقع المالي والاقتصادي، خصوصاً في ظل واقع ضاغط على كل المستويات. فاللبنانيون صاروا عاجزين عن الحصول على أموالهم في المصارف، في حين تمكّن محظيون من تحويل أموالهم إلى الخارج، بينما كان سقف الدين العام قد بلغ مستوى لا يمكن للدولة أن تستمر بالتعامل معه بمنطق التأجيل وقذف المشكلة إلى الأمام.
لقد كنا أمام مفترق طريق حاسم، وقررنا التصدي لهذه المعضلة المالية وعدم تأجيلها. ثم جاء وباء كورونا ليزيد الضغوط على الواقع الداخلي، وفي ظل قدرات محدودة جداً للدولة.
مع ذلك، تجاوزنا هذا التحدّي، وأستطيع القول أن الحكومة نجحت في تأمين الهبوط الآمن بأقل الأضرار.
اليوم، وصلنا إلى اللحظة التي صار لزاماً علينا فيها أن نبدأ بإصلاح الأضرار التي وقعت في البنية المالية والاقتصادية للبلد. وهي أضرار كبيرة وبنيوية ومتجذرة، تحتاج معالجتها إلى زخم وطني يخفف قوة الآلام التي بدأ اللبنانيون يشعرون بها.
لا مجال للمزايدات اليوم. ولا مكان لتصفية الحسابات. ولا يفترض فتح الدفاتر القديمة في السياسة.
اليوم نحن هنا، في هذا الواقع المظلم، سيكون تبادل الاتهامات مكلفاً للجميع، وعلى وجه الخصوص للبنانيين الذين ينتظرون من قياداتهم السياسية أن تتحمل مسؤولياتها، ويطالبون الحكومة بوضع خطة لإخراجهم من هذا النفق.
الوقت ضيق، واللبنانيون يراقبون كل خطوة.
لم يعد اللبنانيون يتفاعلون مع الأحداث فقط، بل أصبحوا هم الذين يصنعون الحدث. أمسك اللبنانيون زمام المبادرة، وهم أصبحوا شركاء في القرار، ويضغطون للمحاسبة، بل ويحاسبون على كل صغيرة وكبيرة.
نحن اليوم لدينا مسؤولية وطنية، إما أن نكون عند مستوى هذه المسؤولية، أو أن الشعب اللبناني سيحاسب كل الذين تقاعسوا أو أداروا ظهرهم.
في كل الأحوال، الحكومة وضعت رؤيتها للإصلاح المالي والاقتصادي، وهذه الرؤية ستشكل فرصة للتفاوض مع الدائنين، وكذلك للحوار مع صندوق النقد الدولي.
ما نطرحه في هذه الخطة ليس كتاباً منزلاً، وهو قابل للتطوير، وقد أطلقنا حواراً شمل مختلف شرائح الشعب اللبناني، وأخذنا بالعديد من الملاحظات التي سمعناها.
اليوم نعرض هذه الخطة أمامكم، لأن هذه الخطة ليست ملكاً لحكومة أو حكم، وإنما هي برنامج عمل للدولة هدفه عبور لبنان مرحلة صعبة، وإعادة التوازن في المسار المالي.
أيها السادة
لقد تجاوز اللبنانيون، عبر التاريخ، كثيراً من الأزمات الوطنية والكيانية والوجودية. واليوم، يتطلعون إلى الخروج من هذه الأزمة، بمعزل عن الاختلافات السياسية، وبرفض منطق السلبية في التعامل مع أي خطة إنقاذية.
لا يجوز إدارة الظهر لحوار منطقي وعقلاني وموضوعي تحت عنوان إصلاحي إنقاذي.
نحن محكومون بالتعامل مع الظروف بمنطق إيجابي منفتح، وبتآلف وطني، وبتعاون مخلص بين جميع القوى السياسية والنيابية، وبالتفاعل مع اللبنانيين الذين لن يغفروا لأحد تقاعسه عن المشاركة الفاعلة في إنقاذهم من براثن الأزمة الحادة التي تعصف بالبلد، وتهدّد لقمة عيش اللبنانيين.
أتوجّه اليوم بنداء، إلى كل القوى السياسية، إلى الكتل النيابية والأحزاب والهيئات، إلى الفاعليات، إلى الهيئات الاقتصادية، إلى المصارف...
أدعوكم بصدق وإخلاص، إلى التوقّف عن السجالات، وإلى التخلّص من الأوهام المصلحية التي لا تدوم، وإلى وقفة مع الذات:
ماذا تنفع كل هذه الاختلافات، وكل هذه الحساسيات، وكل الحسابات والمصالح، إذا انهار لبنان لا سمح الله؟
أدعوكم إلى وعي خطورة المرحلة، وإلى إدراك حجم معاناة اللبنانيين، وإلى تقدير الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد.
ماذا تنفع الطموحات السياسية والشخصية والتسابق والتنافس على السلطة والحكم إذا سقط هيكل الدولة؟
أدعوكم إلى تدعيم أعمدة الدولة، لحماية البلد، وتخفيف الأعباء على اللبنانيين.
من حق اللبنانيين أن يقلقوا على مستقبل البلد، ومستقبلهم، ومستقبل أبنائهم.
أدعوكم إلى شراكة وطنية في ورشة الإنقاذ، من دون أحكام مسبقة، ومن دون غايات، ومن دون خلفيات مبطّنة.
هذا اللبنان لنا جميعاً، فإما أن يرتقي الجميع إلى مستوى حماية هذا الوطن، أو أن الخسارة ستقع على الجميع.
أيها السادة
الوقت ثمين جداً، والخسائر المتراكمة كبيرة جداً، والواقع مؤلم جداً... وفرصة الاستدراك لن تنتظر طويلاً.
اللهم فاشهد أني قد بلغت.
عشتم وعاش لبنان."