الغضب الساطع والغضب الفاقع
الغضب الساطع والغضب الفاقع

خاص - Sunday, January 15, 2023 12:26:00 PM

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس

 

رحل مايسترو الطائف وفي نفسه غصة أورثه إياها نشوز الآلاتية ورداءة الآلات.

في عز صعود الحريرية، ارتقى سدةَ معارضة رفيعة المستوى السياسي والفكري والأخلاقي، تشكلت داخل البرلمان اللبناني من كتلة برلمانية ضمت إلى السيد حسين الرئيسين سليم الحص وعمر كرامي والنواب المرحوم نسيب لحود ومحمد يوسف بيضون وبطرس حرب وأخذت على عاتقها ممارسة دور الاعتراض على نهج الحكومة بإبداء الآراء الرصينة والمدروسة من غير أن يكون في مواقفها تسديد حساب لأحد أو نزعة انتقام أو رغبة في استلام الحكم.

وكان الرئيس الحريري رحمه الله ينظر إلى تلك الكتلة بعين التقدير ويقيم وزنًا كبيرًا لآرائها، فنشأت بذلك علاقة جدية بين حكومة طموحة ومعارضة متحفظة من ضمن معادلة لم يخرج خطابها يومًا عن الأدب الجم واللغة الراقية.

ولقد شبّهت تلك المجموعة مرةً، بأنها أقرب إلى مجلس اللوردات نظرًا لما تمتع به كل فرد فيها من عفة واستقامة وشجاعة قولٍ ورجاحة رأي.

هذا يذكّرنا أيضاً بحسن الرفاعي وإدمون رزق متّعهما الله بالصحة وكذلك نصري معلوف وسليم حيدر ولويس ابو شرف والشيخ نديم الجسر وبهيج تقي الدين وإدوار حنين وسواهم، ولا سيّما جان عبيد رحمهم الله.

رحل السيد حسين بعد أن حاول ديمقراطية، ثم آثر الاعتكاف في تاريخه واحترامه لنفسه، راضيًا مرضيًّا محاطا بما يليق به من تقدير.

نحن لا نفقد رجالاً، بل نمطًا من التعاطي لم تزل بعض آثاره قائمة ولو كأطلال ذكرى، كما أشار سمير عطالله يوم الأربعاء الماضي حين كتب عن سرد التاريخ في لغة القانون معلقاً على كتاب الدكتور إبراهيم نجار "الخيار والقدر" منوهاً ببراعة التنقل بين الأحداث الدامية والخطيرة، بقلم رصين لا يتنصل من انتمائه ولا يستسلم للعداوات. وكما ورد أيضًا في مقطع جميل أرسله إليَّ معالي الأستاذ محمد المشنوق، وفيه تخاطبُ نائبة في الجمعية الوطنية الفرنسية رئيسة الوزراء ووزيرة الطاقة بلغة بالغة الدقة رفيعة التهذيب، تضع فيها النقاط على حروف توليد الطاقة لجهة التناقض بين تنامي الحاجة إليها وزيادةِ إغلاق المحطات النووية، وما يؤشر إليه ذلك من تَخَبّط يُعيد فرنسا إلى نسبة عالية من التلوث؛ ما لاحظته أن السيدة النائبة لم ترتفع وتيرة صوتها نبرة فوق المألوف وأن الحكومة كانت  في حالة إنصات تام، وهذا دفعني إلى أن أستطرد إلى مسألة التخاطب السياسي عندنا، الذي تضيع جدواه بعد مرور جملتين على بدء الحوار حيث ترتفع النبرات وتجحظ العيون، وتتوجه السبابات تهديداً ورفضاً وإتهاماً بصفات تنسف جسور التواصل .

ما يثير قلقي جدًّا، أن كثيرين من المتحدثين باسم المجتمع المدني يدفعونني للشك بصحة تمثيلهم أو بصحة وصف من يمثلون.

ربما كانَ من أثرِ الشاشة أن تُخرِجَ المتكلم عن رَوِيِّته وتدفعَه إلى الخطابة العشواء، التي تصيب برذاذها الآخرين حضورَهم والغياب. من هذا مثلاً ما سمعته عن تجريح قاس بحق وزير التربية الذي أسموه عباسًا، وما عبس يومًا حتى حين تولّى، بل كان مشترِكًا بالمعنى مختلفًا باللفظ مع المرحوم النقيب بسام الداية الذي يعود له الفضل في جمعنا، فلما رحل بقينا على المحبة والحزن عليه. وأنا لن أدخل في حقيقة المشكلة مع معالي وزير التربية لأني لم أطّلع على وقائعها، لكن ما أثير ضده في أحد البرامج من تعريض يتخطى النقد واللوم، جعلني أتوقع ما أصابه من ألم، بلوته من قبل، لأنه ليس وزيراً محترفاً بل هو متطوع من صلب المجتمع المدني تولّى أصعب الوزارات وركب أعلى الموجات، وربما كان يتمنى في صميمه لو وُلِّيَ وزارة العدل، ولكنه لا يتوانى الآن عن بذل الوقت والفكر في ترميم بناء هائل يتهيل بسبب تصدع الدولة وانهيارها الاقتصادي والمالي.

تزداد المرارة في حلقي من الظلم الذي يتعرض له العاملون في الشأن العام دون تدقيق أو تحقيق بأساليب لا تنتمي أبداً إلى معايير اللطف واللباقة.

نحن غاضبون، الشعب اللبناني غاضب كلّه، الطبقة السياسية ارتكبت بحقه جرائم متمادية وَسَطَت على ماله، لكن الغضب نافع بوجود الحكمة، والحكمة مطلوبة من الإعلام لكي يُسَوِّغ الخطاب وينزل على القلوب رأياً ورؤية، فشتّان شتّان ما بين الغضب الساطع والغضب الفاقع.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني