إيفا أبي حيدر - الجمهورية
فعلياً، فُقدت السيطرة على الدولار في السوق السوداء، فجنون الدولار ينعكس ارتفاعات متلاحقة وغير مسبوقة في سعر الصرف، إذ بين الأمس واليوم ارتفع ما يزيد عن 3 آلاف ليرة، ما خلق إرباكاً لافتاً في السوق، ظهر من خلال الارتفاع القياسي في اسعار المحروقات والخبز وفي اسعار السلع الاستهلاكية.
صحيح انّ الارتفاع المتلاحق للدولار في السوق السوداء هو خطوة متوقعة، انما قفزاته القياسية لا تزال تشكّل مفاجأة يصعب على اللبنانيين استيعابها بالسرعة نفسها التي يرتفع فيها. بعد ان سجّل سعر الصرف نحو 50 الفاً خلال عطلة نهاية الاسبوع، افتتح الاسبوع بارتفاع إلى 51 الفاً، ما لبث ان وطأ عتبة الـ52 الفاً مساء، أما أمس، فافتتح سعر الصرف بنحو 53 الفاً و400 ليرة ليصل إلى 54 و 400 الفاً ظهراً والاقتراب من عتبة الـ55 الفاً مساء.
هذه التقلّبات السريعة للدولار هل هي اشارة إلى الفقدان الكامل للمركزي ولصيرفة في السيطرة الجزئية على السوق، لا سيما بعد فشل تدخّله الاخير الذي حصل نهاية العام الماضي، إذ لم يفلح في تهدئة السوق أكثر من ايام معدودة، بتداول كثيف تخطّى المليار و200 مليون دولار؟ أم هي ترجمة للنسبة المئوية لارتفاع الدولار التي يسير عليها، بحيث انّه كلما كان الدولار مرتفعاً كلما أتت زياداته متسارعة أكثر؟ فعلى سبيل المثال، إذا اعتبرنا انّ الدولار يرتفع شهرياً بنسبة 10%، فإذا كان سعره 5 آلاف ليرة سيزيد الدولار 500 ليرة، أما اذا كان سعر الدولار 50 الفاً فإنّ زيادة الـ10% هي فعلياً زيادة 5000 ليرة شهرياً كمعدل عام، وإذا ما اصبح الدولار بـ100 الف ليرة سيزيد بمعدل 10 آلاف ليرة شهرياً. تماماً كما كان يحصل في السابق بأسعار السلع عندما كان يزيد ثمن السلعة 1500 ليرة، هي فعلياً انعكاس لزيادة دولار واحد. أما اليوم، فإنّ زيادة 55 الفاً على سعر السلعة بين يوم وآخر هي فعلياً زيادة دولار واحد.
إلى جانب ذلك، هناك عوامل ظرفية تؤثر بدورها على سعر الصرف، إما تسرّع ارتفاعه واما تبطئ انخفاضه أكثر من اللزوم، تماماً كما يحصل لدى تدخّل المركزي في السوق من خلال التعاميم التي يصدرها، أو رفع حجم التداول على صيرفة. الّا انّ هذه العوامل هي محض ظرفية، لا تؤثر على مسار سعر الصرف العام الذي سيواصل ارتفاعه، لا سيما في ظل غياب اي خطط إصلاحية إنقاذية.
في هذا السياق، يقول الخبير المالي وليد ابو سليمان لـ»الجمهورية»، أن لا شيء مفاجئاً في موضوع ارتفاع سعر الصرف في ظل غياب اي خطط انقاذية، والأهم فقدان الثقة بالعملة. فاللبناني اليوم يفضّل اقتناء الدولار بدل الليرة، بما يساهم في زيادة الطلب عليه وبالتالي ارتفاع اسعاره.
وعزا ابو سليمان القفزات القياسية في الدولار بين يوم وآخر إلى سعر الدولار المرتفع، بحيث انّ اي زيادة عليه ولو بالنسبة المئوية التصاعدية نفسها التي كانت في السابق، ستبدو اعلى، حيث انّ زيادة 5% على سعر دولار 5000 تختلف عن سعر دولار 55 الفاً، حتى لو كانت النسبة المئوية نفسها.
أضف إلى ذلك، انّ مفاعيل التدخّل الاخير لمصرف لبنان في السوق لم تدم لاكثر من 10 ايام، لا بل أظهرت فشلاً ذريعاً، خصوصاً لدى اعلانه «انّ مصرف لبنان سيقوم ببيع الدولارات مقابل الليرات دون سقف لقيمة العمليات، ودون شروط». وفي الحقيقة، انّ الافراد والمؤسسات قدّموا الليرات للمركزي الّا انّه حتى الساعة فإنّ احداً لم يحصل على دولاراته.
وقال ابو سليمان: «من الملاحظ ايضاً انّ المركزي لم يتمكن من تقريب سعر السوق على صيرفة على عكس المرة السابقة. فالفارق اليوم بين سعر صيرفة ودولار السوق السوداء يتخطّى الـ 15 الفاً».
أضاف: «كان يعمل المركزي على جذب السوق السوداء اليه، اما اليوم بات مجبراً على اللحاق بالسوق الموازي. وغير مستبعد، كما ارتفع سعر صيرفة من 31 الفاً الى 38 الفاً دفعة واحدة ان يرفع المركزي صيرفة من 38 الفاً الى 45 الفاً مثلاً».
ولاحظ ابو سليمان، انّ هذه القفزات السريعة للدولار تدفع بالمستهلك كما التاجر، إلى الاقدام على عمليات استباقية لشراء الدولار تجنّباً لمزيد من الارتفاع، فيساهم من حيث لا يدري بارتفاع الدولار من خلال زيادة الطلب عليه.
وخلص ابو سليمان إلى انّ «المركزي ما عاد قادراً على السيطرة على السوق، وليس بمقدوره فعل أي شيء أكثر مما فعل في تدخّله الاخير نهاية العام. وإذا ما أعاد الكرّة فسيحرق مزيداً من الاموال في السوق وينخفض على إثرها الدولار لأيام ليعاود الارتفاع لمستويات أعلى مما سبق».
الحل الأمثل؟
في ظل هذا الأفق المسدود، لا سيما باتجاه السير بحل شامل وخطط انقاذية واصلاحية، هل من مخارج حلول يمكن للمركزي ان يلجأ اليها او ما يُعرف بخطة «ب»؟ يقول ابو سليمان، انّ الحل الأسرع يجب ان يبدأ من إلغاء تعددية اسعار الصرف، ومنها صيرفة التي تمثل سعراً اصطناعياً للدولار. ورأى انّ الحل الأمثل لتحرير العملة وتعويم السوق هو تحويل منصة صيرفة الى منصة مفتوحة للجمهور، يتمكّن من خلالها كل الافراد التداول بيعاً وشراء. ففي هذه الحال سيظهر السعر الفعلي للدولار وسط عمليات طبيعية للعرض والطلب، ووضع حدّ للتلاعب في العملة والمضاربات.