الصُّلح خير
الصُّلح خير

خاص - Sunday, March 19, 2023 7:00:00 AM

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس

 

قال قيس:

وَقَد يَجمَعُ اللَهُ الشَتيتَيْنِ بَعدَ ما
يَظُنّانِ كُلَّ الظَنِّ أَلّا تَلاقِيا
ما قصدت بهذا قياسًا على قيس، فلا مجال لمقارنة المسافة بين داره ودار ليلى بالمسافة التي تفصل سور الصين العظيم عن مضيق هرمز والخليج ذي الاسمين، ولكنني استشهدت بهذا البيت الجميل دلالة على أن الفطرة أمَّارة بالتلاقي، أما النزق والغطرسة فيورثان البغضاء إلى أن يرعوي الحانقون الغاضبون بأنهم يحرثون في بحر، بل يبددون مواردهم وشبابهم، وثروات الأجيال في لعبة عبثية خرافية تقوم على نزعة اختراق الخرائط، ليكتشفوا أخيرًا، وبعد الخسارة الفادحة أن الصلح خير.
من طريف الأمر أنّ المحاولات السابقة التي سعى فيها وسطاء إقليميون، لم تؤتِ أُكُلها، إلى أن جاوز النزف المدى فسعى الطرفان إلى الصين بعد أن طويا الجبال والسهوب، وطريق الحرير، والجبال العقائدية التي تفوق ذراها قمّة إفرست. هناك، في رحاب المعجزة الصينية، استطاع التنين الأصفر أن يتخطى الكتاب الأحمر مستعينًا بقاموس جديد تزخر مفرداته بألفاظ المصالح والتعاون والتنمية، وأفضلية الإنفاق السلمي على الإنفاق الحربي، ولقد كُتِبَ القاموس هذا بالعربية والفارسية، ثم بالصينية التي وجدت لحروفها الكثيرة متسعًا في حقول النفط المنتشرة في بلاد فارس والعرب، وترويجًا لانتاجها في تلك الأسواق الغنية.
قبل أن تتظهر بنود الاتفاق، لنا أن نعلّق على طرائف مظاهره، ومنها أنّ دولة ملحدة استطاعت أن تهيّء مناخًا مؤاتيًا للتوقيع بالرضا والقبول المتبادلين، بين محتربي صِفِّين، "سُنة وشيعة" من غير أن يضطر أيّ من الفريقين إلى خلع صاحبه، أو أصحابه، ولست أدري اذا كان الوسيط الصيني قد ركّز على وجه التقارب اللفظي بين الصينية والسُّنية أو بين الشيعية والشيوعية، ولكنني متأكد أن اللغة التي تكلم بها كانت مقرونة بالتبصر الواقعي بعيدًا عن المعتقدات، كما أن الثلاثة المجتمعين، قد وجهوا رسائل متفائلة لشعوبهم، ولم يخفوا إشارة واضحة موجهة إلى أميركا واسرائيل، فالمتصارعون حين أعملوا البصيرة، وجدوا أن جهات أخرى كانت تستثمر في خلافاتهم، وتأخذ عائداتها مجانا.
عند هذه النقطة توَجَّبَ الحذر والتحفظ والحيطة لما يمكن أن يقدم عليه المتضررون من ذلك الاتفاق الذي أنجزه مفاوضون أحرزوا الدرجات العليا في علم الباطنية والدأب والسرية، إذ تلاقت حكمة كونفوشيوس مع مهارة تاجر البزار وحائك السجاد، وابن الصحراء التي يخبىء في كثبانها أسراره ونياته.
ربما ينبغي أن أتوقف عند هذا الحد حتى لا أغرق في التكهنات، متمنيًا أن ينعكس ما جرى، خيرًا علينا، مشيرًا إلى أن للخرائط مناعتها العصية على الاسشتهاء، ولنا فيما يجري على الساحة العاليمة، دلائل على صحة هذا القول.
فإذا عدنا إلى معالجة أزمتنا اللبنانية على ضوء قراءة إعلان بكين، وجدنا كثيرين يعوّلون عليه للجم الدولار، ووقف الانهيار، والعثور على رأس يتمّم جسم الدولة التي دخلت مجال المغناطيس لفقدانها العقل الآمر والمدبر. إنني لا أنكر تفاؤلي بما حدث ولكنني أُنبه "المرجئة" والمتواكلين والمستسقين، بأننا دولة تنزف بشدة، وهي بحاجة فورية لأكياس البلازما، من حواضر الأهل وعروقهم ورجاحة عقولهم، ذلك أن سيارة الاسعاف الصينية، لم تنطلق بعد من "بيكين"، حتى الآن.
يبقى أن أشير في النهاية إلى أن اتحاد الكرة القدم اللبناني فاته أن الوساطة العُمانية فشلت في جمع الشيعية الايرانية مع السنية السعودية إلى كلمة سواء، وقد كان عليه أن يتلافى الاستعانة بحكم عُماني في موقعة الجمل بين نادي العهد ونادي الأنصار، ويلجأ إلى التحكيم الصيني الذي أثبت نجاعته وقدرته على إطلاق صافرته في التوقيت المناسب.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني