غزة: المجتمع اللبناني ما بين تعاطف مع الألم الانساني ورفض أشعلته ذكريات الماضي
غزة: المجتمع اللبناني ما بين تعاطف مع الألم الانساني ورفض أشعلته ذكريات الماضي

خاص - Monday, October 30, 2023 5:16:00 PM

عندما يلقي الزمن بقبضته على الشعوب، من الصعب أن تفلت هذه الأخيرة من يده. فما يحمله التاريخ من جروح وآلام أو حتى من انتصارات وفخر تبقى مطبوعة الى الأبد ليس في الكتب وحسب، بل في العقول والوجدان.

وهكذا لا يزال البعض أسير الحروب التي لم تنتهِ مفاعيلها على الرغم من اندثار وجودها فتتوالد عند كل فرصة ردودٌ للانتقام الرمزي او على الأقل الهجوم الافتراضي.
وربما تكون ترددات الحرب التي نشهدها اليوم في غزة والعدوان الاسرائيلي الذي أودى بحياة آلاف المدنيين خير دليل على استمرار اعتبار القضية الفلسطينية بشكل عام إشكالية في أوساط المجتمع اللبناني.
فمشاهد الاطفال الناجين من الموت على سبيل المثال بعد قصف مستشفى المعمداني وصور الدماء الذي يعم غزة كان لا بد من أن يحرك في العديد من اللبنانيين مشاعر التعاطف الانساني، فلاقت القضية الفلسطينية دعماً واسعاً على الرغم من رفض هؤلاء انخراط لبنان في حرب لا يتحملها شعبا واقتصاداً.
إلا أنه وعلى المقلب الآخر وعلى الرغم من انشغال الاعلام اللبناني بشكل خاص في تغطية أحداث غزة واعطائها طابعاً انسانياً يثير دون أي شك التضامن والدعم، لا يزال البعض الآخر وذلك جراء الصراع اللبناني الفلسطيني يرفض التعاطف مع من هم في غزة، يتحملون نتائج حرب لم يبدؤوها ولا يقررون متى تكون نهايتها وكيف.
إذ إن صورة "بوسطة عين الرمانة" كفيلة في أن تذكر اللبنانيين بخمسة عشر سنة من الآلام والحروب الداخلية التي خسر فيها العديد من أهالي الوطن أبناءهم وأعز ما يملكون.
في هذا السياق، أشارت المتخصصة في علم النفس تريز غالب لـvdlnews الى أنه "عندما يتعرض الفرد الى اضطراب ما بعد الصدمة، قد تبقى مشاعره دفينة لوقت طويل فلا يبادر بأي ردة فعل الا عندما يعيش أمراً مشابهاً للصدمة التي تعرض لها".
وأوضحت أن "الاضطرابات النفسية التي عاشها اللبنانيون في فترة الحرب الاهلية من شأنها أن تبقي في اذهانهم ذكرايات أليمة واضطرابات نفسية ما يجعل ردود الفعل الهجومية التي تخرج منهم عبارة عن ردة فعل عاطفية على ما عاشوه في السابق".
وأكدت غالب أن "التسمية العلمية لهذه الردود الانفعالية هي "الذاكرة التاريخية"، قائلة: "الحرب الاهلية تركت انعكاسات كبيرة على اللبنانيين لا سيما لدى الكبار الذين لا تزال اضرابات ما بعد الصدمة والترسبات مترسخة في أذهانهم".
وهكذا ينقسم المجتمع اللبناني، كما في كل قضية، ولا يهم كم يشكل الرافضون من مجموع المجتمع ذلك أن وسائل التواصل الاجتماعي كافة شهدت على هجماتهم الالكترونية الحادة وتعليقاتهم المدينة والمخوّنة، فلم يقتصر سبب رفضهم على خوفهم الانجرار في حرب لا بل انطلقوا مما حصل معهم في "عين الرمانة" وبعضهم عاد الى ذكر أحداث صبرا وشتيلا متفاخراً ومهدداً.
وبعيداً عن تقييم الموقفين المتعارضين، والحكم ما بين صواب وخطأ ذلك لأن ثمة دوافع جمة قادت كل فريق الى الطريق الذي يسلكه، وهي دوافع مبررة أو موجودة على الأقل ولا يمكن تجاهلها.
ويبقى السؤال: هل يلام الذي لا يستطيع التعاطف اليوم وهو كان قد عاش الحرب الأهلية؟ وهل يلام من بادر وقدّم شعوره الانساني على أي اعتبارات أخرى بعد رؤية هذه المشاهد الأليمة؟ هل يعقل عزل الأول لأنه يحمل موقفاً مغايراً أو تخوين الثاني لأنه لا يساند من لا يزال متمسكًا بالقضية اللبنانية؟
وذلك أيضاً لأن الوقت من دون معالجات حكومية جدية للأزمات والحروب الداخلية غير كافٍ لتعود العلاقات الانسانية الى طبيعتها بين الشعوب.
وفي هذا الاطار، لفتت غالب الى أن "قلة التواصل والفهم للمجتمعات المختلفة جعلت اللبنانيين غير قادرين على فهم الصراعات والتحديات التي يعيشها الفلسطينيون"، مضيفةً أن "مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورا مهما في التأثير على آراء الناس من خلال صور تبقى في اللاوعي وتحفزهم على تصرفات معينة".
الواقع أن ثمة تفسير نفسي لكل ردة فعل والمواقف الذي يتخذها أي منا إزاء قضية معينة يبدو انها لا تحرك ساكنًا في ضمير المسؤولين العالميين وأصحاب الحبال الذين يحركون دمى المعركة. فآلاف المتظاهرين حول العالم لم يستطيعوا توقيف المجازر في غزة ومناشدات الأمم المتحدة بأكملها بقيت دون أي جدوى فيما انه، وفي الكواليس السياسية والعسكرية، الربح يحسب والخسارة تقاس وفق معايير أخرى بعيدة كل البعد عن الانسانية.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني