بين الميدان والمواقف الدولية والعربية: ماذا بعد غزة؟
بين الميدان والمواقف الدولية والعربية: ماذا بعد غزة؟

خاص - Sunday, November 19, 2023 2:49:00 PM

جوزف القصيفي      

عرفت الجمهورية الاسلامية أن تستثمر في الفراغ العربي وسياسة عدم الاكتراث بالقضية الفلسطينية والسعي الجاد لحل عادل وشامل يستند إلى قرارات الشرعية الدولية ولاسيما القرارات ٢٤٢ و٣٣٨، و١٩٤/ ٨٤ الخاص بحق العودة للاجئين الفلسطينيين. وفيما غاب الصوت العربي الواحد والعمل المشترك من أجل ضغط هادف دوليا واقليميا لحمل إسرائيل على الانصياع لهذه القرارات، تصدت طهران بخطاب متشدد تمحور حول تحرير فلسطين واستعادة القدس مع ما تحمل هذه المدينة من رمزية لدى المسلمين في العالم، كما المسيحيين. وما عزز موقع إيران واظهرها الأكثر غيرة واندفاعا في سبيل القضية الفلسطينية، هو ضرب تل ابيب جميع المبادرات القائمة على أسس منطقية وعادلة عرض الحائط، وخصوصا مبادرة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبد العزيز( الملك في ما بعد)والتي أطلق عليها" مبادرة بيروت للسلام" وذلك في أعقاب القمة العربية التي عقدت في العاصمة اللبنانية في السابع والعشرين من آذار ٢٠٠٢، وهي باعتراف المراقبين والمتابعين والمحللين السياسيين والاستراتيجيين في العالم من أهم القمم العربية لأنها نادت بامرين: 

 - انسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ مقابل الاعتراف بها وتطبيع العلاقات معها.                                    - الاعتراف الاسرائيلي بالقرار الرقم ٤٨/١٤٩ المتعلق بحق العودة للفلسطينيين الذين هجروا على يد العصابات الصهيونية.                                     

  ولا بد من التذكير بالدور الكبير الذي اضطلع به رئيس الجمهورية اللبنانية حينذاك العماد إميل لحود، رئيس القمة لفرض بند حق العودة بعدما اغفل من المبادرة، وكاد موقفه هذا أن يفرطها ، لو لم يتم الاستجابة لطلبه.                                            وحدها مبادرة ولي العهد السعودي فترتذاك الأمير عبدالله كانت الأقرب إلى المنطق والموضوعية. لكن الرفض الاسرائيلي حال دون أن تتقدم واسدل الستار على هذه المبادرة الفرصة واستعيض عنها بمحاولات ومبادرات ومنها " صفقة القرن " التي لم تقلع، ومبادرات متفرقة راوغت فيها تل أبيب للتنصل من اي التزامات تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه. في هذا الجو المتذبذب الذي لف مبادرات عربية ودولية لحل قضية فلسطين استثمرت إيران بنجاح، وتمكنت من استمالة قوى سياسية جهادية لم يكن بينها وبين طهران اي قاسم عقائدي، مثل" حركة حماس"وهي قيادة وقاعدة تمثل فكر الاخوان المسلمين ونهجهم وتتبع التنظيم العالمي للاخوان. كما " حركة الجهاد الاسلامي" وتنظيمات أخرى. ولا نقدم جديدا اذا أشرنا أن إيران دعمت " حماس" و" الجهاد" تسليحا وتدريبا، وسياسيا واعلاميا. وظلت على دعم الأولى على الرغم من الاختلاف الكبير والعميق معها حول الحرب في سوريا.                                 

ولكن في عملية" طوفان الاقصى" تقاطعت التقارير والمعلومات أن طهران لم تكن وراء  قرار " حماس" بالحرب، ولم تكن على علم بتوقيت المعركة ولم تستشر.ومع تأييدها ل"حماس" وما قامت به ،فانها تعاملت معها على النحو آلاتي:                     أ- التركيز على فلسطينية المعركة لتثبيت شرعيتها، وعدم استغلال اي تدخل إيراني مباشر ليقال أن حماس تخوض الحرب نيابة عن الجمهورية الاسلامية. وهذا ما يؤدي إلى الاضرار بالقضية وأهداف المعركة وتصوير " حماس" وكأنها ذراع إيران.                                   

 ب- حرصت إيران على توفير الدعم السياسي والاعلامي وما تيسر من الإسناد العملي، وتسخير الطاقات المتاحة لتأييد عملية " طوفان الاقصى".                 

ج- هناك إدراك إيراني يستند إلى معلومات تفيد بأن إسرائيل تستغل الحرب في غزه لتوريط " حزب الله" والتمهيد لضرب لبنان بحجة إبعاد الخطر الذي يشكله الحزب على مستوطناتها الشمالية، وتوسع العمليات الجوية والامنية ضد النظام في سوريا. لذلك فهي اعلمت حلفاءها ولاسيما " حزب الله"بموقفها، وتركت له كونه على تماس مباشر مع الحدود الفلسطينية المحتلة،حرية التقدير. فضبط الإيقاع بناء على معطيات سياسية وميدانية بتلافيه  حرب شاملة والقيام بعمليات عسكرية مباشرة وواسعة، واللجؤ  إلى حرب أشغال لتخفيف الضغط قدر الإمكان عن غزه. وبالفعل ف"حزب الله" بحرب الأشغال والتصدي التي يخوض، استطاع زيادة الاعباء على الجيش الاسرائيلي بحمله على تعبئة مائة ألف جندي على الحدود الشمالية،وارباك حكومة نتنياهو جراء تهجير ما يقارب مائة وخمسين ألف من مستوطنات الجليل وجوارها إلى مناطق الداخل بحثا عن ملاذات آمنة  . مع الإشارة أن المقاومة في الجنوب وعلى الرغم من الأثمان التي تؤديها، توقع الكثير من الاصابات في صفوف أفراد الجيش الاسرائيلي، وتحدث الاضرار الفادحة في مراكز الرصد واعمدة التجسس والتحصينات القائمة على طول الحدود مع فلسطين المحتلة على إمتداد ١١٠ كيلومترات. 

د-لم تغلق طهران الباب أمام الوسطاء الذين ابقوا خطوط التواصل غير المباشر مع واشنطن قائمة، خصوصا ان الأخيرة جاهرت بأن لا دليل تمتلكه عن دور للجمهورية الاسلامية في توقيت عملية" طوفان الاقصى" والتخطيط لها. وذلك على الرغم من الخلاف الواسع بين الدولتين حول النظرة إلى هذه الحرب.خصوصا أن الولايات المتحدة هي أحرص ما تكون في هذه الأحوال على تجنب مفاجآت امنية وعسكرية في الشمال السوري والعراق،وايضا في البحر الأحمر. ومن هنا ،فإن سير الأمور في اتجاه حرب شاملة تبدو مستبعدة، من دون إسقاط إمكان حصول مفاجآت واحداث غير متوقعة تجعل الوضع ينزلق اكثر فأكثر نحو الصدام الشامل.   

وفي عود الى إلى الوضع في غزه ، فإن نتنياهو لم يسقط من حساباته تهجير أبنائها  في اتجاه سيناء بعدما جلا المدنيون في القطاع من شماله إلى جنوبه، فيما يستمر المقاومون في مواجهاتهم العنيفة وإنزال الخسائر بجنود العدو.

وعلى الرغم من دقة الوضع وصعوبته في القطاع، فإن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق اي من هدفيها الاثنين:         

١- قتل او أسر قيادات حماس.           

٢- تحرير الأسرى. 

 المعركة في غزه مفتوحة على كل الاحتمالات والمفاجآت ،ولكن تل أبيب في مأزق اذا فشلت في تحقيق اهدافها،أو إذا تمكنت من تحقيقها.لان السؤال الكبير الذي يطرح بقوة: ماذا بعد غزة ؟ وكيف يوظف تقدمها اذا حصل، وما هو الثمن الذي ستدفعه اذا أخفقت؟   إن الرهان على إسقاط القضية الفلسطينية ،هو رهان على المحال. لذلك ، كل الأوراق تلعب، وكل الاحتمالات مفتوحة. وللكلام على هذا الموضوع تتمة.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني