احترق المسرح ولم يمت الممثلون
احترق المسرح ولم يمت الممثلون

ناقوس في أحد - تعليق على الاحداث مع رشيد درباس - Sunday, March 3, 2024 3:44:00 PM

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
 
بعيد إذاعة الحلقة الماضية التي أشرت فيها إلى أنّ الوزير النقيب رمزي جريج شكا من رائحة النفايات التي تصاعدت من كلام بعض الوزراء هاتفني الرئيس تمّام سلام، متسائلا: "ترى هل انحسرت رائحة النفايات عن آناف اللبنانيين بعد ذلك؟"
كان السؤال في محلّه تماماً، وهو صادر عن رجل كابد أثناء توليه رئاسة الحكومة ما كابده من المناورات العقيمة وتعطيل جلسات مجلس الوزراء، وزجّ كل قضية ملحّة في معمعات المزايدات والمناقصات، وعانى كذلك من انخفاض منسوب الإيجابية وهيمنة الروح السلبية، وافتعال المشاكل لكي لا يسجل للحكومة أي إنجاز.
ومن ذلك مثلاً، ما أشرت إليه الأحد الماضي عن قضية النُّفايات التي استهلكت وقت الوزراء وأعصابهم، بحيث بدا المشهد وكأننا في فدرالية ذات كانتونات متعادية، يدفع كل واحد منها، بمخلّفاته القذرة باتجاه الكانتون الآخر، متوهّماً أنه يشتري النقاء بتلويث الجوار.
وفي مرة طفح الكيل مع الرئيس سلام، فدعا لمؤتمر صحافي قال فيه، إننا لا نعاني من نفايات الشوارع، بل من النفايات السياسية التي لا علاج لها، لا بالتدوير ولا بالفرز، ولا حتى في المحارق. أغرب الأمور، انّ خبراء البيئة الذين كانوا يتناسلون علينا كالفطر السام، جعلوا مهمّتهم الأساس انتقاد الحلول كلّها، وقد تحصّن كلّ منهم بنزاهة كاذبة وكفاءة ملفّقة تكشفها الرائحة الكريهة.
منذ تلك الأيام، أي منذ عرقلة تشكيل الحكومة مدّة أحد عشر شهراً، وانتقالاً إلى عرقلة انتخاب رئيس لسنتين ونصف السنة، كانت المرافق تخرج من الخدمة تباعاً، فإن كانت بعض المؤسسات قد شذّت وأحرزت نجاحاً ما، كمرفأ بيروت وشركة ميدل إيست وكازينو لبنان وأوجيرو، عاجلوها حملات لا تبقي ولا تذر، في ظل فوضى إعلامية أصبحت معضلة بحد ذاتها.
كيف نستغرب بعد هذا حالة الاضمحلال، في ظل مهزلة غير مضحكة على الاطلاق إذ يسمح بعض النواب لأنفسهم بالتشدق بمواد الدستور، فيما هم متواطئون على ازدرائه، بل يذهبون بين الحين والآخر إلى المجلس الدستوري بطعون محشوة بالمفردات القانونية، التي عددتها منذ زمن ألفاظاً بذيئة، لأن القانون نبيل، يتنكر وينفر من كل من يتوسله من بذيئي الوطنية.
لقد انحدرنا من دولة تعجز عن معالجة النفايات إلى دولة مستسلمة للكلاب الضالة، التي أحسنت تنظيم قطعانها في الشوارع، وارتقت إلى مرتبة الذئاب، فيما البلديات في حالة إضراب وغياب، وجمعيات الرفق بالحيوان تقف بالمرصاد لكل من يحاول أن ينقذ المواطنين من النهش والعض والإصابة بداء الكَلَب. علماً أنّ هذا النوع من الكَلَب يهون امام طغيان النباح على الحوار، فإذا ظهر واحد من أبطاله، وأطلق هريره من خلال الشاشات، تذكّرت البحتري في وصف الذئب إذ يقول:
 
يقضقضُ عُصْلاً في أسرَّتها الردى 
كقضقضة المقرورِ أرعَدَهُ البردُ
 
فمن لنا بلويس باستور جديد يخترع لنا لقاحاً ضد الكَلَب السياسي؟
 
يقول الشاعر بدر شاكر السياب:
 
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنونْ، 
إن خان معنى أن يكونَ 
فكيف يمكن أن يكونْ
 
وإني لأعجب من ممثلي هذا المسرح، ومن خيانتهم لذواتهم ووطنهم فقد ملّتهم الخشبة، وأعرض عنهم المتفرجون ولكنهم ما زالوا يتلهّون بتلك المطارحات العجفاء، فيما النار في الجنوب، تلتهم خيرة الشباب، وتحرق خضر الكروم، وتشرد عشرات الألوف، وتنذر بامتداد اللهيب، فيما هم لا يسعون لاقتناء سيارة إطفاء، أو إسعاف، أو حتى دواء لمعالجة الحروق، أو لانتخاب رئيس للجمهورية وهذا أضعف الإيمان.
قال نزار قباني:
 
احترق المسرح من أركانه،
ولم يمت بعدُ الممثلون.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني