إيلي صليبي... في ذكراك أحجُز لنا مكانًا في مداكَ لنعيدَ للفضاء نشرتَه
إيلي صليبي... في ذكراك أحجُز لنا مكانًا في مداكَ لنعيدَ للفضاء نشرتَه

خاص - Wednesday, July 15, 2020 9:55:00 AM

الإعلاميّ بسّام برّاك

هو الزمنُ الهُوّة بين تاريخ إعلاميٍّ وآخرَ، يدعوك للوقوف أو التوقّف في ذكرى تحمل أبعادَ الكلمة والصوت ومأسَسةَ النشرات الإخبارية، لتتساءل: كيف يغادر روّادٌ ويحتمل المكانُ غيابَهم من دون أن يلمسَ فراغًا في مقدِّمة نشرة أو صدًى في تسجيل صوتي أو تعليقًا لمناسبة كبيرة؟ كيف تُطوى الصفحاتُ وتبدأ أخرى من دون قراءة ما نفتقد وعمّن نفتقد؟!
كلامي تستدعيه ذكرى طيِّ الأستاذ إيلي صليبي مزاميرَه ورشِّه ملحَ الحبر في بحر السماء.. فهو الملّاح في بحر البشر وكأنه بعضٌ من ملح الأرض!

هو من كان صوته الإذاعيُّ وعبر الشاشة مثالاً وامتيازًا ، وظلَّ حبرُه يفوق الكلمةَ دلالةً وكأنه يضيف إليها حروفًا، وانسيابُ خطّه في صفحات النشرة يدعونا الى ترتيب الصوت وتأنيق اللغة واحترام المعنى فترةَ قراءتنا النشرات في ورقٍ آتٍ من صوب يديه...

قبل خمسة عشرين عامًا ، حين رغِبَت النشرةُ الأرضية أن تسرّح شعرَها وتطيرَ من تحت سماء لبنان الى أفق دنيا العرب، لم تلقَ من يُبحرُ بها فوق الغمام كلمةً ناصعة، ويُحبّرُها مقدّمةً راقية، ويُمَوْلدُها طفلةً مِشعاعة إلا رجلاً واحدًا ، له في القلمِ أقلامُ فكرِه، وفي اللغة صليبُ لغتِه، وفي الإعلام عَلَمُ اسمِه وكان يكفي ذكرُ إيلي صليبي لتحلّقَ النشرة فحلّقت.

يومها نحن كنّا يَفَعة! أتينا الى نشرة فضائيّة لبنانيّة نحمل أحلامَنا وخبراتنا المتبرعمة من حقول إذاعات محليّة، نجمع أصواتنا في حناجرنا، وأقلامَنا في جيوبنا كتلاميذَ يستعدّون لاختبار الدخول.
...ودخلنا الى صومعة المعلّم صليبي. الصومعة المفتوحة على مدى الآتيات بين نشرات تتنافس فجرَّبَنا مضمونًا وأداء وكتابة وتوليفًا، قسى علينا إنما بروح إخباريّة تهوى الجمال والرقيّ لأن المدير المسؤول أديبٌ ينمِّق الخبر المفجع بصورة الله ويداوي الحدث المؤلم ببخور السطور ويتسلل نثره الى جفاف الأخبار فتتناثر لؤلؤا.
التجربة مع المعلم الصليبي لا يجتازها الاعلاميّ إلا بجلجلة الخبر والكلمة والصوت والحضور، ويرفعها أعلى من منكبيه ويطير بها مردّدا: "تخّرجت في معهده.إجتزتُ صعوبةَ دقّتِه وأمانتِه، واحترفتُ على يديه حِرفة نشرة الأخبار".

مرّتِ السنوات وبطاقة العبور الى الواجهة الاعلامية وقّعها لنا بيده لنمسيَ وجوه الألفية الثالثة وبعضُنا لا يزال الى اليوم حاضرًا لكن لا أعلم إن كان في قلبه وفاء لمعلّمه إيلي صليبي. كنّا باقة وطاقة شبابيّة تنهل من منبعه المقبل نحو مَشيب خمريٍّ: مئات النشرات، كيف نفكر ببنائها ونكتبها ولأي لغة نقدّمها، وهو صاحب الصوت الأثيري، فمقولة" ناطرينك" لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني باقية في الأذهان. وهو كاتب النصوص المبدَعة بيراعِه الأسود على صفحاتٍ بيضاءَ أشرقت شموسًا ذهبًا!
...ها نحن نعود مبتدئين نتلصَّص عليك أيّها الأديب وأنت تنسج بخيوط حكمتك ثوبًا لنشرة صارت اليوم بَردًا لأن الحائك قطع الخيط، ولأنّ الشمس غابت عن الكلمة بل لأنّك أخذت صهيلك الى فوق حيث لا ضجيجَ يعلو صوت الكلمات ولا غبار يمحوها..

إيلي صليبي ...
بعد سنوات أربع من رحيلك، ومباغتةِ الصمتِ قلبَك أو مباغتةِ قلبِك الصمتَ - لا أعرف- لا تتأسف. أنت بدأت سماءك بعد الأرض عارفًا وجهتَك، والأخبارُ تمضي لكن لا نعرف الى أين. أنت تقلِّب أوراقَ المجدليّة في كتابك عنها فتغتني إيمانًا، ونحن نقلّب الثورة في دفاتر الفقر فنزيدُ جوعا. أنت تكمل كتاباتِك بعد نتاجك "عودة النبي"، ونحن نمضي باحتراف متوعِّك في إعلامنا ونقصانٍ يلزمُه حضورُك ليصبح واقعا وقدوة.

وحتى نعيدَ ما كان، أحجُز لنا مكانا قربك علّنا ذات يوم نعيدُ إلى فضاء الأثير نشرتَه ونتلوها على اسم "إيلي صليبي" من فوق.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

من نحن

تواصل معنا

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني