سَفرةٌ مع الشلّة الأنيسة
سَفرةٌ مع الشلّة الأنيسة

ناقوس في أحد - تعليق على الاحداث مع رشيد درباس - Sunday, May 5, 2024 12:19:00 AM

 
النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
 
 
كثير من الكتب المتروكة المنسية، يتراكم بعضها فوق بعض، على جدول مطالعاتي المؤجل، ثم تغور في النسيان والإهمال لتشكّل لي بعد ذلك نعرة ضمير، لأنني كنت استحضرها من فوضى مكتبتي لأردم بها فجوات معرفية، ولكنني كنت أستأخر الأمر لظنّي أنه لا يزال أمامي متسع الوقت، فإذ بي أواجه الآن معادلة غريبة وهي أنّ الكتب تزدحم، والفجوات تتسع، والوقت آيل إلى نفاد.
 
ومن حسن حظّي أنني أستغلّ فرص السفر المتباعدة مع أصدقاء لا يتبدلون في العادة أنعم الله علي بهم لنقضي وقتاً سعيداً، وصمتاً ناجياً من الثرثرة والهواتف. أزف الموعد، ورتبت السيدة هبة الحقيبة ترتيباً دقيقاً، وقبل أن تغلقها قفزت كتب ثلاثة إلى متنها، قرأت اثنين منها وفاتني الثالث، أتوقف هنا لأسرد عليكم طرفة، وهي أن الحقيبة لونها فستقي، وهذا ما سهل أمري لدى العودة إذ تناولتها مذ مرت أمامي بلونها الغريب، وعدت بها إلى المنزل، فلمّا فتحتها الزوجة الطيبة استغربت، وقالت إن هذا لأمر منكر لما حوت من أدوات الزينة والتجميل وسوى ذلك، ولكني لم أوافقها على رأيها إلا بعد أن تأكدت انها خالية من الكتب فأدركت عندها أنني وقعت في غرر الفستق، فاستنفرت عزيزاً لي هو عماد في المطار، فوجدها بما له من سلطة وحصافة وخبرة بالفستق الحلبي الأصيل، فعادت إلي بما حوت، بعد أن صرت لعدة ساعات نجم مجموعات التواصل الصديقة، فذاع أمري وشاع بين ليلى الاخيلية وسلمى الكورانية، وتفقّدني الطبيب النبيل مرجعاً الأمر، وفقاً لإختصاصه، إلى غشاوة النظر لأنني لم أميّز الفستق الحلبي عن الفستق التركي، أما الطبيب النافع ويقال له اللامع في رواية اخرى فرجّح أن السبب ضعف في السمع لإنني لم أنتبه إلى صوت صاحبة الحقيبة وهي تناديني، بينما أنا منطلق بها إلى طرابلس.
 
ذلكم كان على سبيل التفكهة، أما عن المطالعة، فقد ناسبني مناخ شرم الشيخ الهادىء والضيافة الباذخة الغيابية التي أحاطنا بها صديقنا وأخونا أبو عمر، أحد أصحاب المنتجع وصاحب اليد البيضاء على العلم والثقافة، والذي لا أفصح عنه أحتراماً لحيائه الخلقي، فتمكنت من قراءة كتاب الدكتور جورج فريحة عن بشير الجميل، بعين محايدة خالية من تجاذب ذلك الزمان، فوجدت أنه يحتوي على معلومات ومخاطر موثقة، فيها من الدلالات والعبر، وفيها أيضاً من الغلو والخطر، ما يحفّزني على أن أنصحكم بقرائته، مكتفياً فقط بذكر واحدة من واقعاته، وهي أن أمين عام الخارجية الاسرائيلي ديفيد كمحي، طرق باب بيته ليلاً ومعه قائد القوات الاسرائيلية الغازية، قائلاً له: نحن نعرف أماكن بيوتكم، بلّغ أمين الجميل، أنّ لبنان كلّه سيدفع ثمن تردده في مواقفه معنا، ولا سيما المسيحيين؛ فهل أبلغ من هذا، وهل نحن بحاجة لتكرار الوقوع في أخطاء التحالفات الخارجية التي لا تقيم لمصالحنا وزناً او قيمة؟
 
الكتاب الثاني، للصديق الفائق الثقافة والأدب والمودة، الدكتور السفير خالد زيادة، وقد شغل منصب سفير لبنان في مصر لأقل من عقد من الزمن بعنوان( مصر، ثقافة وهوية)، وإني أعدّ هذا الكتاب وصفة مرجعية سهلة التناول وضعها تحت أعيننا ورّاق من طراز رفيع، حيث كان مرشد القارىء ودليله في وصف مصر، منذ ما قبل الحملة الفرنسية، مقتفياً أثر الجبرني، متنقلاً بين العصور، ولا سيما بين ملامح المثقف التي تتأثر بالتغيرات الاجتماعية والسياسية، كل ذلك بأسلوب ممتع ومشوّق يجعل من الصفحة التالية باب لهفة ومن صفحته الأخيرة باب أسف على أن المشوار انتهى سريعاً.
 
يقول الشاعر الأندلسي ابن قلاقس:
سافِرْ إذا حاولتَ قَدْرا سارَ الهلالُ فصارَ بَدرا
والماءُ يكسِبُ ما جرى طيباً ويخْبُثُ ما استقرا
وبنــــــــــــــــقلة الدُرَرِ النفيسةِ بُدِّلتْ بالبحرِ نَـــــــــحْرا
 
سافرت إذاً مع الشلة الأنيسة، واستضفت معي الدكتور جورج فريحة والدكتور خالدة زيادة، فلما ضاعت حقيبتي، رددت مع محمود درويش:
 
وطني ليس حقبيهْ 
وأنا لست مسافرْ
 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني