بابا روما... لو تأتي إلينا فمِن بعيد لا يسمعون
بابا روما... لو تأتي إلينا فمِن بعيد لا يسمعون

خاص - Wednesday, August 26, 2020 4:11:00 PM

الإعلامي بسّام برّاك

حين يرفع البابا صلاة من أجل لبنان، فهذا يعني انّ وطننا لا يزال عرسًا في أجاجينِ خمر ولو انّنا نراه دماءً في عنابرِ بحر، وأن بلدَنا الممهورَ اسمُه في التوراة وبين دفّتَي الإنجيل وفوق تاج العذراء وتحت تربة القداسة وفي سطور السينودوس الخاص وبين كلمات كلّ نداء عام، هو أرضٌ قابلةٌ للتطهُّر رغمًا عن فساد مَن بات يُدَلُّ إليهم بالإصبع، وترابٌ مهما تَوحّل سيتبللُ بأنداء السماء لينقى، وجبينٌ مهما تضرّج سيتوشّح بنور الله فيرقى!

يومَ أصيبَ لبنانُ بدويِّ زَلزال نسمّيه انفجارًا سمِعه مَن هم بعدَ بيروت وقبلَها، ورجفَ منه قلبُ مَن هم في بيروت بل في قلبِها ما خلا مسؤولين ثَقُلَ سمعُهم لخفّة مسؤوليّتهم، ونجَوا جميعُهم بغرابة لم نلقَ لها تفسيرًا الى اليوم، إن بالايمان وإن بالكفر... يومها ذاك الدويُّ الهائلُ خرقَ سكونَ الفاتيكان ليتوجّعَ البابا ويتهدّجَ صوتُه وتدمعَ صلاتُه و يُبَحَّ قلبُه... وبثوبه الأبيض لونِ الحدادِ الآخرِ الفاتح، أطلَّ من شبّاك غرفته ليقولَ صراحة: "التعايش أصبح هشًّا في لبنان."
بهذه الصراحة لم يفضحِ البابا سرًّا بل نعى موروثًا تاريخيًّا وقدّم واجب العزاء بتعايش وصفه بالهش أي كغيمة لا تعِدُ بمطر بل بوابل من العطش. فالبابا يدرك أنّ هؤلاء ليسوا قابلين ليجمعوا الشعب بل مؤهّلون لتفرقته. هؤلاء، أي مَن يُدلُّ إليهم بالعين والصوت والجوع والقهر، ومن يُشار إليهم بالجرح والوجع والتشرّد والموت لأنهم فاسدون يلتقون في مكاتب فخمة والبيوت جوارَ المرفأ نكبة، فيما البابا صلّى من أجل ضحايا انفجارات بيروت وعائلاتها، طالبا أن يتمكن لبنان بالتزام مكوِّناته الاجتماعيّة والسياسية والدينية من مواجهة هذه المرحلة المأساوية والأليمة".

كم صعبٌ ما يطلبه البابا ويرجوه! قداسته يودُّ جمعَ زعماءِ السياسة وطائفةِ الدين وناسِ المجتمع في بوتقة واحدة. من أين للفاتيكان هذا بل من أين للّه هذا؟! ففي لبنان نحن غالبٌ ومغلوب، حاكمٌ ومحكوم، زعيمٌ وتابع، حزب ومتحزب، مُصَلٍّ ومُتألّه، وحين تختلط هذه العناصرُ البشرية يكثر التشتتُ ويعلو التباعدُ ويصير الانفجار المدمي صدًى لانفجارات أخرى وتُكملُ الحياة في لبنان على ايقاع موتٍ معتاد.
وإن لم ينسَ البابا الكنيسة في لبنان بدعوته إياها لتكون قريبة من الشعب "لأنه يعاني ويعاني كثيرا"، هو لم يعلم أنّ الكنيسة أي"البطريركية" كلّما اقتربت من قول ما في حناجر المقهورين انقهرت أقلامٌ صفراء وراحت تُوشح الجبة البطريركية بخيطان عِدائية، وكأنّ الصلاة من أجل الحياد، والمناشدة بضبط فلتان السلاح تهمةٌ للكنيسة وشَيطنة لتاريخها ومجدها.

البابا فرنسيس، لمس من بعيد جوعَ اللبنانيين، والأقربون يجتمعون حول موائدهم العامرة ليُسمّوا زعيمًا ورئيسًا ويتحايلوا علينا في تأليف يسبق التكليف. الحَبر الأعظم ناشد المجتمع مساعداتٍ سخيةً ليَشبع الآتون من سهولٍ مقفَرة قتلها الاحتكار واحتكرها الكبار. وهو نادى قبل شهر من الانفجار لحلّ الأزمة الكارثة المعيشيّة مستغيثا "إنّ في لبنان أطفالًا جائعين وليس لديهم ما يأكلون،" وأردف: تَصوّروا أن في لبنان اطفالا لا يجدون ما يأكلونه والمسؤولون يجب أن يعملوا ليحلّوا السلام." هذا ما رآه البابا من بعيد وما أوجب به مسؤولينا. وحتى اليوم، أيُّ مسؤول لم يتكلم عن طفل جاع، عن ولد تيتّم، عن تلميذ تسرّب، عن ولد شحذ، وعن جيل تأجّل.وحتى اليوم، أطفالٌ ينتظرون أبا أو أما ويُقال لهم : "في السماء."

فيا بابا فرنسيس، سماءُ لبنان، على صغرِه، تبدو كبيرة تسَع لضحايا لموتى لشهداءَ أكثر من سمائكم. سماؤنا لديها مناوبةٌ يوميّة لاستقبال الراحلين منّا إليها، وربما نداؤك من بعيد لم يسمعْه المسؤولون إيّاهم، فهم كيف سيسمعونك وانفجارٌ فالتٌ على مدى لبنان لم يسمعوه. فهل تحمل بعضَك وبياضَ ثوبِك وفقرَ عصاك وخشبَ صليبِك فتجيءَ إلينا لعلّ الوقحين يخجلون، والصمّ يسمعون، والجالسين على وجع لبنان يقفون، والنائمين في قلق المواطنين يستيقظون.
ونحن بانتظار قداستك في لبنان...

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني