كريم حسامي
تعيش منطقة الشرق الأوسط أياماً مفصلية وحاسمة قبل أسابيع من الانتخابات الأميركية وبعدها، حيث تشهد على صورتين متناقضتين.
الصورة الأولى: التطورات المتسارعة المتعلقة بتحالفات اسرائيل مع الامارات والبحرين التي ستمتد فصولها مع دول أخرى لسنوات، وتجلب مكاسب ضخمة لاسرائيل اقتصادياً ومالياً وسياسياً. ويؤكّد خبراء في السياسة الدولية أنّ "الصورة الدقيقة عن المرحلة المقبلة للشرق الأوسط حيث الدولة العبرية هي نقطة الارتكاز، تتمثل في ما نراه من اتفاقات واستثمارات ضخمة بين إسرائيل وهذه الدول الخليجية بينها أن مسؤولين إسرائيليين أجروا محادثات في الإمارات لإنشاء خط انابيب نفط يمتد عبر السعودية وصولا إلى ميناء ايلات عبر البحر الأحمر، ومنه إلى ميناء أشكلون. ونقل الخام إلى الأسواق الأوروبية ويعد التفافاً على مساري مضيق هرمز وسواحل الصومال وقناة السويس، فضلا عن التركيز على مرفأ حيفا لاجراء التبادلات التجارية".
يُضاف الى هذه المشاريع الترويج السياحي بين اسرائيل ودول الخليج مع توقّع البدء قريباً بتدفّق السياح من اسرائيل إلى الخليج والعكس صحيح، وفق الخبراء. وأهم جانب من الاتفاقات هي تلك التي تُبرم بين البنوك الاسرائيلية والاماراتية وسوق الذهب، ما يجلب ربح كبير لتل أبيب ويُساهم في ذلك أيضاً المشاريع الاقتصادية والثقافية والدينية لتكبير سوق العمل. ويُشدّد الخبراء على ان "هذه الصورة تغري بقية الدول للتطبيع او التحالف مع اسرائيل كسلطنة عمان والسعودية والسودان وغيرها على خلفية المردود المالي التي ستجلبه لهم والمكاسب الأخرى الجيوسياسية والتي تُغيّر قواعد اللعبة.
هذه المشاريع تُلخّص معنى الازدهار والرفاهية والاستقرار الذي يروج له الاميركيون والاسرائيليون مع العرب ضمن صفقة القرن.
الصورة الثانية التي تتعارض مع الأولى تشمل دول في البقعة الجغرافية نفسها، حيث دخلت العقوبات الجديدة على إيران حيّز التنفيذ، وتشمل كل الشركات التي تتعامل مع برنامج طهران النووي والباليستي خصوصاً الشركات التي ستزودها بالسلاح، بعد إحباط المسعى الأميركي بحظر التسلّح. العقوبات التي أقرّها الرئيس الأميركي دونالد ترامب سـ"تقطع الاوكسجين" العالمي بالكامل عن الجمهورية الاسلامية، وهذه آخر محاولة قبل 40 يوم من الانتخابات الأميركية للضغط عليها وأخذ أي مكسب.
وفي حال طُبقت العقوبات كما مُخطّط لها أن تستهدف كل الشركات التي ستبيع السلاح لإيران، فإنّ طهران تكون خسرت الكثير بعدما مضت في معركة طويلة من أجل منع واشنطن من حظر تسلّحها ودعمت هذا المجهود كل من الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا، ما اعتبرته انتصاراً كبيراً لها وهزيمة تاريخية لاميركا.
وسط معلومات عن تخطيط ايران لهجوم على اسرائيل قبل الانتخابات لوضع ترامب في موقع محرج يودي لخسارته، فيما تتوقّع تل أبيب هجوماً عسكرياً عليها، وهذا ما أكّده قائد نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي، العميد ران كوتشاف، أن "إيران قادرة على مهاجمة إسرائيل من خلال عملية مماثلة لتلك التي استهدفت منشأتين كبيرتين للنفط في السعودية العام الماضي".
إلى ذلك، يحصل ذلك على حساب لبنان الذي يعيش لحظات بين الموت وولادة جديدة ستسغرق وقتاً لا بأس به في ظل "تحكّم" "حزب الله" بكل مقومات البلد وقراره. موت البلد عبر دماره بسبب انتشار السلاح الذي كان مفترضاً تدمير العدوّ وانهياره الجهنمي اقتصادياً، فيدفع الثمن باهظاً الشعب من لحمه ومقوماته.
فعلى حدوده الجنوبية، يزداد الوضع اضطراباً مع توقّع اسرائيل ان ينفذ حزب الله تهديده بقتل جندي اسرائيلي. لذلك برزت زيارة مسؤولين عسكريين الجبهة الشمالية وتهديد الحزب بأن أي خطأ شبيه بـ2006 سيجلب أياماً قتالية.
تزامن ذلك مع الكلام عن أنّ مرفأ بيروت كان يُنافس مرفأ حيفا ودُمّر لصالح الأخير، أيّ الاعتراف بشكل غير مباشر بوجود إسرائيل كدولة وأهمية مؤسّساتها الاقتصادية وغيرها التي تُنافسنا. وهنا يمكن فهم الكلام المتداول عن المسعى الأميركي لإجراء مفاوضات مباشرة بين اسرائيل ولبنان حول الحدود الجنوبية واستخراج النفط.
أما في سوريا، فالأميركيون أعادوا تجميع قواهم العسكرية مع نشر مزيد من الجنود والدبابات بعد أيام من إعلان ترامب سحب قواته من هناك.
لذلك، ما يمكن استنتاجه بعد رسم الصورتان أنّه بعد العقوبات والضغوط التي تولد الحرب التي نعيشها على كل الصعد، ستأتي الرفاهية والازدهار والاستقرار. في حين تلتقي الصورتان في أن التحالف مع إسرائيل سيكون مقدمة لمواجهة إيران لتأتي الرفاهية بعدها كما أكّد بوضوح وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو أن "استقرار الشرق الأوسط يتمثل في مواجهة إيران".