هاني فحص.. سيّدٌ بقلوبٍ كثيرة
هاني فحص.. سيّدٌ بقلوبٍ كثيرة

خاص - Wednesday, September 23, 2020 7:09:00 PM

الاعلاميّ بسّام برّاك

نقيٌّ هو بكل ما في سُحب السماء من نقاء، ومشالح الغيم من صفاء. لم أعلم صباحَ غيابه قبل ستة أعوام وهو يخطر في بال إيماني بطيف كلماته، أنه طوى حروفه الإنسانية وعباراتِه السماوية داخل جراح روحه وصعد سلالمَ عمره حتى آخرها، حتى مطالعِ بيوت الله!

هاني فحص، لا سماحة هو ولا سيّد. لا عَلّامة هو ولا شيخ. لا راهب هو ولا كاهن. إنه كلُّها في عباءة تراها حينًا ثوبا وحينًا جبّة مِطران ودائمًا رداءَ الروح فوق القلب. نزع عِمامته عن رأسه ورفع هامتَه الى الباري ليناديَه بأنه عائد إليه بجبينه الأوّل و بصلاته البكر ...

لم يكن هاني فحص بقلب واحد. ربيت في جوانحه قلوبٌ كثيرة من أقصى لبنان الى أقربه، من أوجعِ الجنوب وجِبشيته الى أوّاه طرابلس فَقروحِ صيدا ولهيب بيروت...؛ ربينا نحن في قلبه بكل ما فينا من خطايا وأخطاء، فكان يمرّر لون الأرجوان عليها ليشفيَها من دائها ويُطفحَ محبته الخمرية فينا وكأنه يسكر بالمسيح ابن مريم.

فلماذا غادرنا هذا الطيّبُ السمحُ المعتدلُ المثقف المرونقُ الكلامَ في ضجيج الحوارات ، المدوزِن المحبةَ في خَلل الحب، في اختلال العالم... لماذا فارقنا؟ ألِيزيدَ من تفرُّقنا بدليل هذا الشتات كما نحن اليوم في هذا الوطن المتوعّك المقبل إلى جهنّم، والمفتقد يدَ سماحة تطيّبُ داءَه بعشب القلب وزرقة السماء وخضرة الأرض؟

أذكر أنه قال لي في واحدة من استضافاتي الإعلامية إياه عبر الشاشة: "من زارني صار له غرفة في بيتي وكتاب في مكتبتي ودم في شراييني، أكان من بعيد أو من قريب."
وأردف، إنه يهيئ كتاب "مسيحياتي" وفيه لقاءاتُه الاعلامية مع المسيحيين، وبينها لقاؤنا السابقُ يوم زيارة البابا بنديكتوس لبنان وقد أصرّ على استلام نسخة عنه ليفرّغها في امتلاء أدبه الدينيّ .
معقول! رجل مسلم شيعي يفرّغ حبر عقله ومِدادَ علومه ودينه في أوراقٍ مسيحية يضيء بها شموعا على مذابحنا، ويضوّع بخور ابتسامته البيضاء ليخفّف من قتامة ضبابنا.

ويا ليته اكتفى بل كان ماضيًا في مؤلَّف آخر بعنوان: "حِبر وأحبار" وكأني به يكتسي من المسيحية رداءَها ويخلع عليها بُردتَه...

ويا سيّد، هل تعتقد أننا سنقع على شبيه لك كل يوم وفصل وسنة؟ هذا أنت رحت ولا يزال كرسيك يطوّق حضرة غيابك ولا من يملأه ويتلو فيه إيمانه كما لو انه كرسيُّ اعتراف؟! لو تَلفّتَ اليوم حوالينا ووجدتَ لك مكانا في هذا الزمان التّعِس فلا تتأخّر في أن تجلسَ في مكانِك.
أقول لو! يا من جلستُ مرارا الى سماحتك فتحاورنا إعلاميًّا وكتبنا "خبرة عمرك" على الهواء، وكان لقلمِك لمحةٌ ولمعة في لقاءات برنامج "الإملاء" مُعلّما مَعلمًا يتواضع حتى إخجالنا، واختلاج لغتنا أمام لغته.

يا من كنت وتبقى إمامًا للكلمة وسيّدًا للمحبة حبّة حبّة في مسبحة يدك، ورجلَ إيمان ينبع من الدين ولا يجري مجرى الطوائف ومتطلباتها على حساب الوطن.
ثمانية وستون عاما قصيرة هي في مدى فكرك وسماء أرضِك وحُب محبتك، قابلها ستُّ سنوات وفاة هي عهدٌ بكامل طلعاته ونزلاته، وهي وطن بخرابه والخوف على أهله بل هي سؤال حزين " عن ماذا بعد" ؟ ولا نلقى فيك إلا ابتسامة بيضاء كانت تأتي قبلك إلينا وسارت أمامك حين عزمت الرحيلَ عن بلد يقتلون فيه حتى الابتسامة... حتى ابتسامتَك.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني