كريم حسامي
يتقي اللاعبون الاقليميون والدوليون لعبة الشطرنج ضمن مواجهاتهم على امتداد ساحات العالم، لكنها مختلفة تماماً في لبنان بسبب وضوح المواجهة فيه.
كش ملك... هي الوضعية القاتلة التي وُضع فيها "حزب الله" بعدما فضّلت إيران إبقاء الأمور على حالها في لبنان حتّى الانتخابات الأميركية في تشرين الثاني المقبل وحتّى العام المقبل.
هذه الخطوة في الشطرنج حيث يكون فيه الملك مهدداً في الخطوة التالية ويصبح اللاعب مجبراً على أن تكون حركته التالية إزالة التهديد بتغيير موقع الملك أو حمايته بقطعة أخرى تقطع مسار قطعة الخصم التي تمثل التهديد وحين تكون هذه الخطوة المطلوبة لحماية الملك غير ممكنة حيث يكون الملك مهدداً ومحاصراً في نفس الوقت بحيث لا توجد خطوة أخرى تضعه في موقف آمن بلا تهديد تنتهي اللعبة ويعلن موت الملك.
الملك هنا هو "حزب الله" مالك البلد الذي أفشل وتصدى للمبادرة الفرنسية بدل إنجاحها، بعدما كان الفرنسي “يُسايره” في ملفات عديدة، وآخرها مسألة تأليف الحكومة وإعطائه وزارة المالية.
إلّأ ان مبادرة الرئيس ايمانيول ماكرون حوصرة وأحبطت من الإيراني الذي اعتقد أنه بهذه الخطوة يضع الأميركي في وضعية كش ملك في حين أن ماكرون قلب الطاولة وأنقذ "ملكه"، اي نفوذه وهيبته، وركب الموجة الأميركية بالكامل عبر كل موقف اتّخذه ضدّ الحزب في مؤتمره الصحافي.
أدرك الفرنسي أن الأميركي على حقّ في ما يتعلق بحزب الله، فهل يُصنّف الجناح السياسي إرهابي كالجناح العسكري بعدما هاجم الحزب "السياسي" بشدة واصفاً اياه بالميليشيا؟ هذه المقاربة التي تبدو قريبة التحقّق، تترتّب عليها تداعيات خطيرة لأنّ حزب الله يخسر آخر "حلفائه" الاوروبيين.
ويحصل ذلك بعدما دافعت باريس عن الحزب قائلة إنّه لا يُهرّب أيّ مواد مُتفجّرة ويخبؤها في فرنسا كما زعمت واشنطن ثم يتلقى ضربة منه بدل "ردّ الجميل" ايجاباً، فاكتشف الفرنسي أنّ الأميركي أيضا على حقّ بعدم الثقة واعطاء الفرص للإيراني بعدما طعنه وصفعه في بلاد الأرز. على الرغم من شنّه هجوماً عنيفاً وغير مسبوق على الحزب، تفادى الرئيس الفرنسي التصعيد الكامل مع إيران محيّداً إياها عبر القول أنّها لم يكن لديها يد بفشل مبادرته، وهذا سببه التمسّك بالاتفاق النووي معها الذي أكد الاوروبيون الحفاظ عليه منذ أسابيع.
ووفق كل ما تقدّم، ظنّت الجمهورية الاسلامية أنّها أفشلت ما تعتبره انقلاباً وتهديداً لنفوذها في لبنان، خصوصاً بعد الكلام السعودي عالي النبرة ضد حزب الله، فيما وصلت الى وضعية أسوأ من السابق، حيث أصبح ملكها مهدداً في الخطوة التالية فنكّلت بالمسعى الفرنسي لأسبوع تحت تأثير الخوف من الخسارة وبالتالي حوصر الحزب أكثر بدلاً من حمايته لتقطع حركة الخصم، فأصبحت مهددة ومحاصرة في نفس الوقت وبلغنا نقطة المواجهة التي لا يمكن تفاديها (وهذا ما حذّر منه ماكرون) قبل انتهاء اللعبة وموت الملك مع موت البلد الذي يهتّز أمنياً تزامناً مع انتشار اليونيفيل في بيروت.
ورمى ماكرون نفسه في الحضن الأميركي والمخطط الايراني، ممهلاً الساسة اللبنانيين اربعة الى ستة اسابيع، أي الى الانتخابات الاميركية، لتأليف حكومة تنفذ الاصلاحات وهي مهمة مستحيلة... وإمّا فرض ما يشبه العقوبات!
في غضون ذلك، حصل تحرك لافت في المسار السياسي العراقي مع تشديد الرئاسات العراقية الثلاثة، بعد اجتماعها، على دعمها لجهود حصر السلاح بيد الدولة، خصوصا بعدما أدى السلاح غير الشرعي الى احتمال إغلاق السفارة الأميركية في بغداد. فهل ينسحب هذا المنحى الى لبنان ضد الجماعات المسلحة الغير شرعية؟