ما هو دور مصرف لبنان في الانهيار الاقتصادي وتراكم الديون؟
ما هو دور مصرف لبنان في الانهيار الاقتصادي وتراكم الديون؟

اقتصاد - Thursday, October 22, 2020 1:04:00 PM

المصدر: itstimelebanon

شكّل مصرف لبنان المركزي عنوانا لحملة مركّزة حمّلته منذ 17 تشرين الأوّل تبعات الانهيار المالي والاقتصادي في البلاد.

وفي إطار البحث عن وقائع ما حصل طوال السنوات الماضية، حاولنا أن نعثر على الدور الذي لعبه المصرف المركزي في تراكم الديون وفي ارتفاع الفوائد والعجز في الموازنة والفساد وعدم إقرار الإصلاحات وتجاوز حاكمية المصرف للصلاحيات التي منحت لها في قانون النقد والتسليف. وهذه نتيجة ابحاثنا.

ما هو الدور الذي لعبه مصرف لبنان في عمليات الاقتراض؟

اعتمدت حكومات لبنان منذ عام 1992 على الاستدانة سبيلا لتغطية الارتفاع المتواصل في الانفاق ولم تعمل على كبح جماحه أو زيادة الإيرادات. وكما أسلفنا في مقالنا السابق تحت عنوان "من يملك صلاحية الاقتراض"، يتبيّن مسؤولية الاقتراض تقع على عاتق الحكومة ووزارة المال. ويتضح لنا ان لا دور لمصرف لبنان في عمليات الاقتراض.

مصرف لبنان واموال القروض والهبات

أموال الهبات والقروض الميسرة لا تمر عبر قناة مصرف لبنان، بل ترسل مباشرة الى الوزارات المعنية، أمّا المساعدات غير المشروطة التي تلقاها لبنان من مؤتمرات باريس 2 و 3 وسائر الهبات فقد حُوّلت إلى وزارة المال وهي الجهة المسؤولة والمخوّلة استلام وصرف الأموال. وكان للبنان أيضا نصيب من مساعدات الاتحاد الأوروبي بمختلف مؤسساته للقطاع الخاص، وهذه الأموال التي تهدف للاستثمار في الاقتصاد، كانت تذهب مباشرة الى المؤسسات الخاصة والعامة المعنيّة. ويبقى قروض وهبات مشاريع البنى التحتية من صناديق عربية او مؤسسات دولية أو متعددة الأطراف وهي كانت تصب مباشرة لدى مجلس الانماء والاعمار. وبالتالي لم يتضح لنا أي دور لمصرف لبنان المركزي في هذه الدورة بتلقي أموال القروض والهبات.

مصرف لبنان والسياسة المالية للدولة والموازنة العامة

السياسة المالية للدولة اللبنانية تحددها الموازنات العامة التي تقوم بأعدادها وزارة المال وتقرّها الحكومة وتحال الى مجلس النواب لإصدارها بقانون،  أوضحنا الإجراءات  في مقال سابق. تحت عنوان: الموازنة وقطع الحساب ملزمان في الدستور وليسا "ترفا" حيث أوضحنا كيف استمرت الدولة بلا موازنة ولا قطع حساب فترة 12 سنة كانت خلالها مالية الدولة تدار وفقا للقاعدة الاثني عشرية غير الدستورية (موازنة سنة .. عاشت 12 سنة على قاعدة أثني عشرية وراكمت 34.3 مليار دولار ديون) ، ما نتج عنه هدر مليارات الدولارات من الأموال العامة التي لا يعلم أحد مصيرها وانفلات المحاسبة العمومية وغياب مجلس النواب والأجهزة الرقابية عن ممارسة دورها حتى وصلنا الى الوضع الراهن. ولم يتبيّن مما سبق أي دور لمصرف لبنان المركزي في رسم وتنفيذ السياسة المالية للدولة.

مصرف لبنان وسندات الخزينة

سندات الخزينة بالليرة أو سندات اليوروبوند تصدرها وزارة المال وتطرحها في الأسواق للراغبين بالاكتتاب فيها من مؤسسات خاصة مثل المصارف وشركات التأمين أو مؤسسات عامة مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو مصرف لبنان وأفرادا من اللبنانيين والعرب والأجانب. ووفقا للآليّة المعتمدة، تودع حصيلة بيع السندات لدى مصرف لبنان وتقوم وزارة المال بصرف هذه الأموال بناء لاحتياجات القطاع العام. ولم يتبين أيضا أي دور لمصرف لبنان في أيّ من عمليات الإصدار.

مصرف لبنان والتخلف عن سداد استحقاقات اليوروبوند

قرار التوقف عن سداد سندات اليوروبوند لم يكم قرارا وطنيا كما حاول البعض أن يشيع. الوقائع تشير إلى خلافات عديدة في وجهات النظر حول هذا القرار. وما حصل فعليا أنّ مرجعية  سياسية معروفة مارست ضغوطا على حكومة الرئيس دياب باتجاه اتخاذ هذا القرار، بهدف استخدام ما تبقى من سيولة بالدولار لدى المصرف المركزي على السلع الأساسيّة.

وبحسب المعطيات، فإنّ مصرف لبنان اعترض على القرا بشكل قاطع، ويومها أعدّ الحاكم رياض سلامة عرضا Presentation ضمنّه كل آثاره السلبية على لبنان والمصارف والمودعين. غير أنّ هذا القطب السياسي عمل على فرض قرار التخلف عن السداد فرضا رغم المعارضة الشديدة من سلامة.

ما كانت حصيلة التخلّف عن السداد؟

1-ألغت المصارف المراسلة خطوط الائتمان الممنوحة للبنوك اللبنانية.
2-سارعت وكالات التصنيف الائتماني لخفض تصنيف لبنان الى ادنى الدرجات Junk.
3-تراجعت قيمة سندات اليوروبوند اللبنانيّة بأكثر من 50% .
4-لحقت خسائر قادحة بالبنوك اللبنانيّة كونها من أكبر حملة سندات اليوروبوند.
5-لم يعد باستطاعة وزارة المال اصدار سندات جديدة من أي نوع.
6-لم يعد باستطاعة مصرف لبنان القيام بهندسات مالية جديدة.
7-ارتفاع جنوني في سعر صرف الدولار الأميركي.
ونتوقف هنا عند بعض الأرقام التي تظهر أن سعر صرف الدولار ارتفع من 1500 ليرة يوم انطلاق الحراك الشعبي في 17 تشرين الأوّل الى حدود 2400 ليرة بتاريخ 7 آذار وهو اليوم الذي أعلنت فيه الحكومة قرار التخلّف عن السداد، وهو مستوى كان لا يزال مقبولا نسبيا.
إلاّ أنّه بعد تنفيذ القرار بدأ سعر الصرف يتدهور بشكل كبير حتّى لامس حدود 9500 ليرة بسبب شح السيولة بالدولار من الأسواق، وتوقف التدفقات النقدية من الخارج.
يذكر أنّ 3 إصدارات يوروبوند كانت تستحق وكان يتعيّن على لبنان سدادها هذه السنة، الأولى في 9 آذار بقيمة 1.2 مليار دولار بفائدة 6.38%، والثاني في 14 إبريل/نيسان بقيمة 700 مليون بفائدة 5.8%، والثالث في 19 يونيو/حزيران بقيمة 600 مليون بفائدة 6.15%.

ويتضح لنا هنا انه لو اتبعت الحكومة توصيات ونصائح مصرف لبنان بسداد استحقاق السندات، لكان الدولار حافظ على نسب زيادة مقبولة، ولكان استمر تدفق الأموال إلى لبنان وتمت تغطية العجز في ميزان المدفوعات.

هل يستطيع مصرف لبنان الرفض او الامتناع عن صرف الاموال للدولة؟

مصرف لبنان هو مصرف الدولة وبالتالي عليه أن يدفع الشيكات الصادرة من الدولة. ويتوجّب عليه الدفع حتّى آخر قرش لديه حيث تشير الفقرة (ج) من المادة 85 من قانون النقد والتسليف
ج – يجري تحويل الاموال التي يطلبها منه القطاع العام حتى قيمة موجودات هذا الاخير لديه.

هل تجاوز مصرف لبنان صلاحياته او خالف القانون؟
تجيز القوانين للمصرف المركزي الاكتتاب في سندات الخزينة وهو مارس هذا الحق عندما توقف إقبال القطاع الخاص والضمان عن الاكتتاب في السندات القصيرة الأجل بالليرة (فترة تقل عن سنة).
اعتبرت المادة 13 من قانون النقد والتسليف مصرف لبنان تاجراً في علاقته مع الغير ويجري عملياته وينظم حساباته وفقاً للقواعد التجارية والمصرفية وللعرف التجاري والمصرفي.

ويتبين مما سبق أنّ حاكمية المصرف التزمت ببنود قانون النقد والتسليف بناء للمواد 70 من قانون النقد والتسليف الني تحدّد مهمته بالمحافظة على سلامة النقد الوطني.

ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الممارسات التي قامت بها حاكمية المصرف المركزي تراعي كل بنود قانون النقد والتسليف لجهة مسؤوليته عن حماية النقد الوطني والمحافظة على الاستقرار النقدي في البلاد.

وعليه، اذا لم يكن هناك أيّ دور يذكر لمصرف لبنان لا بالاقتراض، ولا بأموال الهبات والقروض، ولا في تحديد سياسة الدولة الماليّة ولا في إصدارات سندات الخزينة بالليرة أو بالدولار (اليوروبوند)، ولا في التخلّف عن السداد، وإذا كان القانون يجبر المصرف المركزي على تسديد مدفوعات الدولة حتّى آخر قرش في خزائنه، لماذا الهجوم على مصرف لبنان وحاكمه وتحميله مسؤولية الدين العام والانهيار المالي وتضليل الراي العام؟ الهدف بات معروفا وهو تحويل البوصلة عن المتسببين الحقيقيين عن هذا الانهيار وعن انهيار العملة.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

من نحن

تواصل معنا

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني