لإنعاش الذاكرة..
لإنعاش الذاكرة..

خاص - Sunday, November 22, 2020 8:42:00 AM

النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس

 

ربطتني بالوزير السابق يوسف فنيانوس زمالة مهنية وعلاقة طيبة وذكريات تعود لمرحلة انتخابي نقيبًا لمحامي طرابلس العام 1998. وبالوزيرين السابقين علي حسن خليل وجبران باسيل زمالة وزارية امتدت سنتين وعشرة أشهر حصل فيها كثير من التباين ولم يحصل جفاء.
من طرائف علاقتي بالوزير علي حسن خليل أنه كان يمارس التقتير على الوزارات، بما فيها وزارة الشؤون الاجتماعية، فشكوته إلى الرئيس بري، فنصحني أن أهجوه شعراً، فلما وصل الأمر إلى سمعه، اقترب من مقعدي، وسألني بلطف غير معهود في وزراء المالية عن الاعتمادات التي تحتاج لأمر صرف، فأسميت القصيدة هجاء مع وقف التنفيذ قلت فيها:
حَسبـــــــــتْ أن عـــــــلـــــيّـــــــــــــــــــــــــاً أكرم النــــــــــاس ســــــــــجيّــــــــــهْ
أحــــــــسن القــــــوم ظــــــنونـــــــــــاً وصفــــــــــــوا قــــــــــــلبًا ونيّــــــــــــــــــهْ
ثم خـــــــــــــابوا ثــــــــــم عابــــــــــــــــــوا نقـــــــــــلة ليـــــــــــــــست سويــــــــــــهْ
حـاتـم الطــــــــــــــائي أضحـــــــى تــــــــاجراً فــــي البنـــــــدقيــــــــــــــــــــــهْ
أما جبران فالأمر كان مرتبطاً بمزاجه الخاص وطبعه الحذر، ولكنني لا أنسى له أنه يوم أضاعت ابنتي رلى التي تعمل في مكتب الدفاع في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في لاهاي جواز سفرها، أصدر لها فوراً جوازاً خاصًّا أعادته إلى الوزارة بعد أن تمكنت من استصدار جواز عادي.
أسوق هذه المقدمة لكي أعلن بدون تورية، أنني تأثرت بما أصاب الثلاثة من عقوبات، فهذا طبع قديم فيَّ يحملني دائما على التعاطف مع كل من يُمنى بإصابة.
الفارق أن الوزيرين الخليل وفنيانوس امتصّا الصدمة برباطة جأش وهما يعلمان أنهما يدفعان ثمناً سياسياً لانتماءَيهما، من غير أن ينكرا الآثار المزعجة التي تترتب على تلك العقوبات، وتتمادى في المكان والزمان.
وقد كنت أتمنى لو اكتفيت بالتعاطف مع الأستاذ جبران باسيل، لولا أنه في انتفاضته الشجاعة وفي معرض الدفاع عن نفسه ضد مظلوميته، راح يوقع المظلومية بسواه، ويستخرج من التاريخ القريب الموثق وقائع مغايرة لحقيقتها ويستسهل أن يلصق بسواه تهماً ظالمة كتلك التي نسبها لحكومة الرئيس سلام، بأنها كانت تمنع الجيش اللبناني من ضرب داعش. لذلك، ومن باب الدفاع عن النفس، وقد كنت في تلك الحكومة، سمحت لنفسي أن أفرد للزميل السابق هذه المقالة لإنعاش الذاكرة.
ربما لم ينسَ معاليه يوم دخل إلى مجلس الوزراء دخلة عزيز مقتدر وشنّ على الرئيس سلام، قبل انعقاد الجلسة، وعلى مرأى شاشات التلفزة هجوماً ضارياً لا يليق بقائله ولا بالموجَّه إليه، واتّهمه بأنه طائفي يغتصب صلاحيات الرئيس المسيحي، علماً، أن الرئيس سلام منذ انتهاء ولاية فخامة الرئيس ميشال سليمان، لم يبدأ جلسة إلا بالدعوة للإسراع بانتخاب رئيس حتى لا تبقى الدولة بلا رأس، ولقد روى لي ابن الأخ الدكتور أنطوان شقير، المدير العام للقصر الجمهوري، أنه أثناء وجود الرئيس سلام مرة في وزارة الدفاع، سأله هاتفياً اذا كان ينوي زيارة القصر الجمهوري ، فأجابه أنا لا أدخل القصر في غياب صاحبه، وربما فات الأستاذ جبران، أن تمام سلام امتنع عن الترشح للانتخابات في العام 1992 تضامناً مع المقاطعة المسيحية.
بعيد تلك الحادثة كتبت قصيدة فكاهية طويلة بدأتها:
أغار جبران غارهْ فطار سقف الوزارة
إذا كان لي من تعليق، فهو أن العقوبات الأجنبية، ما كانت لتنزل بمواطنين في دولة سوية، لولا أن الوطنَ مخلَّعُ الأبواب، مثقوبُ السقوف ليس بمأمن من الرياح السموم والعقوبات الغادرة، فما بالنا، إذا كان تهتُّك المنزل يعود الفضل فيه بالدرجة الأولى لسكانه ومن يُفترض أنهم مُلاّكه؟
-الدولة هيكل مقدس وليس ملعباً نراهق فيه أو نمارس عليه ألعاب المخاطرة المعلومة النتائج.
-الحكم رصانة ورجاحة واحتساب لمصالح المواطنين، وتوازن، وأداء يتناسب مع القدرات.
-الدولة ليست منصة خطابية مستدامة، لأنّ المصفقين والهتّافين متى جاعوا انصرفوا عن المسرح وملّوا كلام الخطباء.
-الحكم تداول وتنافس إيجابي وطني، فإذا لجأ أحد إلى الخارج خرج من مفهومه الاستقلالي وأصبح تابعاً فاقد الإرادة.
أذكّر الاستاذ جبران باسيل بيوم تنصيبه، حيث كنتُ أمثّل رئيس الحكومة، وكان الدكتور قاسم هاشم يمثّل رئيس مجلس النواب، فلم يعرنا أحد من الجماهير التفاتاً ولا من الخطباء، ربما لنقص في المهابة، فلما أطلّ الوزير نهاد المشنوق بأبّهة معهودة، انتظر التصفيق الحاد لأنه كان عرّاب تلك المشاركة، لكنّ الجمهور استقبله بالصفير وصيحات الاستهجان، ولما عاتبت المُنَصَّب على ذلك التصرف ردّ بأن بعضاً من الحضور صفّق له، فقلتُ في نفسي، لن يصلح العطار ما أفسده الصهر.
أذكّر الاستاذ جبران بفقرتين من خطابه لا أنساهما:
الأولى: من يريد التفاهم مع مسيحيّي الشرق عليه أن يتفاهم معنا اولاً.
الثانية: يا منحكم هالبلد، يا بلاها الصخرة.
فهل كان يرد على قول سعيد عقل:
لي صخرة علقت بالنجم أسكنها طارت بها الكتب قالت تلك لبنان ؟
أختم هذه المقالة بكلمات مأثورة أوجّهها لمن يهمّه الأمر:
قال هاري ترومن:
لا يمكنك أن تغتني عن طريق السياسة إلا اذا كنت فاسداً.
أما إدوار غاليانو فيقول: نحن لا نعاني من نقص في الأموال، بل من زيادة في اللصوص.
مارك توين يعتبر أن تغيير الساسة واجب كتغيير حفّاضات الأطفال لاتحاد السبب.
أما الرسّام العظيم بيكاسو فيقول:
هناك رسام يقلّد شكل الشمس بلطخات من اللون الأصفر، وآخر يخلق شمساً أصلية بلطخات من اللون الأصفر ذاته.
5- آخر الكلام، للفيلسوف الجزائري الراحل مالك بن نبي:
تأتي كوارث التاريخ نتيجة لانتقام الأفكار التي خانها أصحابها.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني