"فقّرونا وجوعونا"! صرخة سُمع انينها في كل لبنان، منذ بداية ثورة 17 تشرين، إذ كان للمطالب الشعبية والمعيشية صدى في الشوارع. فمع ارتفاع سعر صرف الدولار، وارتفاع نسبة البطالة، وارتفاع اسعار السلع في المحلات التجارية، تضاعفت اعداد الفقراء.
وعود من "المعنيين" وامل عند الشعب الفقير، انّما الوضع على الارض فمختلف: "ما من معين".
ما بات مؤكداً انّ ما قبل 17 تشرين ليس كما بعده، وفي حين تظهر آخر دراسات البنك الدولي ما قبل الثورة، أن 30 بالمئة من الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفقر... كيف تتوقعون أن تكون الحال الآن؟
حكومات لبنان المتعاقبة في خبر كان، فبين المناكفات الداخلية والصراعات الخارجية، لم يكن للشعب الفقير مكان على طاولة الحوار. من هنا تطرح اسئلة عديدة عن غياب الدولة، ومن هنا تطرح أسئلة أيضا عن وزارة الشؤون الاجتماعية المعنية الاولى بالموضوع...
هبة من اليونيسف
في هذا الاطار، جاءت تغريدة لوزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية لتعيد الامل إلى قلوب كثيرين. هبة من اليونيسف لدعم الأسر الأكثر فقراً. مساعدة اجتماعية ونقدية لـ 15000 اسرة لبنانية من حَمَلة البطاقة الغذائية.
فهل من تحرّك جديّ؟
لمتابعة الموضوع تواصلنا مع مكتب اليونيسف، الذي اكّد ان المساعدة تتراوح بين 160000 و640000 ليرة، في حين يتم تقديم المساعدات الاجتماعية النقدية وفقاً لعدد الأطفال، ابتداءً من صفر لعدد أقصاه 6 أطفال لكل أسرة، مما يدعم أكثر من 40000 طفل لبناني معرض للخطر بسبب الظروف الاقتصادية القاسية المستمرة. واوضح مكتب اليونيسف انّ المساعدات تقدّمت وفق دراسة قامت بها وزارة الشؤون، ارتكزت على الذين يحملون بطاقة تغذية.
فمن هم حاملو بطاقة التغذية؟ وكيف تتوّزع؟
اوضح مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية القاضي عبدالله احمد، انّ هناك انواعاً من البطاقات التي تتوّزع على المواطنين، وكلّ وفق حالته. فـ"بطاقة حياة" مثلاً، تعطى إلى الفرد الذي لا يتجاوز مدخوله الـ5.7 دولاراً في اليوم ويكسب منها المواطن تغطية عن جزء من فاتورة الاستشفاء، بالإضافة إلى تسديد رسوم التسجيل للاولاد في المدارس الرسمية. امّا بطاقة تغذية فوزّعت إلى 10000 اسرة، كانت بأدنى سلم الفقر، ساعدت باعطاء 27 دولاراً للفرد في الشهر على الاّ يتجاوز العدد الستة في الاسرة الواحدة، في حين تأتي هذه المساعدات من جهات مانحة تموّل، بعكس بطاقة حياة، التي تتحمّل الدولة اللبنانية تكالفيها.
امّا مساعدة اليونيسف، فكانت كافية لمساعدة عائلات "بطاقة تغذية" مع 5000 عائلة جديدة. هبة كبيرة ستدفع دفعة واحدة عن طريق تحويل الاموال إلى العائلات نقداً، تقسّم بحسب عدد الاطفال وافراد العائلة، اي ان المساعدة النقدية تكون اكبر عندما تكون اعداد افراد العائلة والاطفال خصوصاً اكبر.
ولكن هل الحلّ بالمساعدات النقدية؟
برأي القاضي احمد، لاعطاء الاموال نقداً عواقب كالخمول، اذ يعتبر انّ المساعدات النقدية ستسهم بخمول المواطنين وتركهم ينتظرون المساعدات من دون الاقدام على اي مجهود، في حين المساعدات المطروحة تسهم في استثمار يساعد على خفض نسب البطالة وتأمين فرص عمل، ومداخيل شهرية للمواطنين.
الخمول لا يخيف بقدر السيطرة على هذه النفوس، فكثيرون لا يعرفون طريقة وصول الهبات او المساعدات اليهم، وكثيرون لا يأبهون بها. فماذا لو، وبعد ان اعتادت هذه الاسر على المساعدات، توقفت هذه المساعدات؟ ماذا لو لم تجد الشؤون من يقدّم هبات ومساعدات؟ ثورة الفقراء والجياع تبدأ حينها!
ماذا عن الاحصاء؟
مشكورة اليونيسف على المساعدة، ومشكورة وزارة الشؤون على التعاون ومتابعة الموضوع، إنمّا في الشارع الامر مختلف. عند المراجعة والتدقيق بالاحصاء او الاستهداف التي استندت المساعدة عليه، نجد انّه يعود إلى سنين إلى الوراء. احصاء يبلغ من العمر سنتين. احصاء درس ونفذ في اواخر 2017. ماذا عن اليوم؟
يعرب المدير العام على امتعاضه من الموضوع بدوره، مؤكداً انّه طرح فكرة اعادة الاحصاء بما يتلائم مع الوضع الحالي ويشير الى ما اسفر عنه الوضع الاقتصادي المتردي في وطننا في المرحلة الاخيرة. ولكن بحرقة قلب تحدّث عن "قرار" وطني ضائع للمساعدة وايجاد الحلول.
فهل ستأخذ الحكومة الجديدة القرار، ويبدأ التغيير؟ هل سيكون لوزارة الشؤون "خبطة قدم" على الارض وانتفاضة لوضع حلّ للفقر والجوع مع الوزير مشرفية؟ ام سنبقى نبحث عن قرار ضائع، حالمين بأن نستيقظ يوماً على انسانية طبقة حاكمة ورحمة تجاه الشعب.