بيار صادق... الريشةُ الصخرة واللمعة!
بيار صادق... الريشةُ الصخرة واللمعة!

خاص - Thursday, December 3, 2020 12:50:00 PM

بسام براك

لاعبُ الريشة هو.
خمسون عامًا وهو يزيّح بريشته التاريخ.
خمسون ذَهَبًا فأكثر وهو يلوّن بريشته شعاعَ الحرية ويُكثّفُ الضوءَ في عتمات صفحات الجرائد ورماد الشاشات.
حين لَفّتِ الحربُ الطرقاتِ وباعدت بين البيروتَين كانت ريشة بيار صادق تغطُ في انتظار طويل خلف مكتبه "النهاريّ" وهو بعيدٌ من النهار بُعدَ الحواجز والشوارع المقفلة المقفَرة إلا من الهموم ، فاضطُر الى الغياب عنها وافتقد الناسَ صفحتَه الأخيرةَ - الأولى كما كانت تصنّفها أيديهم وهي تقلّبُ ورقَ الحريدة من اليسار الى اليمين.
فلو كان لم يرحل قبل سنوات لكان تألم لِتَحوُّل الوَرق يباسا في جسم الاعلام، والنشرات منصات تخلو من روح مغامرة النقد الإبداعي كما كتبها ورقّصها وحرّكها ونمًطها في تحية الختام، وها هي بعده ترتدي النقد الشخصاني من مقدمات التحيات الإخبارية.
سبعُ سنوات وجائزةُ اسمِه: بيار صادق، تتخذ بُعدا تصاعديا لكل من يتخرّج في مدرسته الاحترافية متعلما منه الكلمة ذاتَ الدلالات البعيدة ، والرسمةَ ذاتَ الإشارات السديدة...
قبل عشر سنوات التقيتُه في حلقة خاصة ضمن برنامج خبرة عُمر عبر شاشة المستقبل حيث سَرّح آخرَ أيامه بعدما تَسرّح من أل بي سي برتبة عميد كاريكاتوري متقاعدٍ قبل أوانه، وإن عن غير قناعة لا منه ولا من مُسَرِّحيه... حينها في المقابلة أخبرني الكثير عن أدائه اليومي، وكيف ما ساوَم على فكرة أتته بعد مخاض أر بع وعشرين ساعةً وعاشت معه، أكلت من صحنه ومن جلسته العائلية، من غفوته، واستيقظت معه في بيته المكسوِّ في برمانا بدرب شجر وبقمرٍ أخضرَ قد يكون الوحيَ الأجملَ لنهار يُمضيه في المكتب ويختتمُه عبر الشاشة بعد ترقيصه الحروفَ وانغماسه في وجع الناس وآلامهم في طريق آمالهم.
فهل هي موهبةُ بيار صادق أم احترافُه؟ هل هي ريشتُه أم يدُه؟ هو المحَمَّل عُدّةً للرسم ليست للقتل.
الأستاذ بيار صادق، إبنُ ما قبلَ الحرب وفيها وبعدَها. هذا الساخرُ ببراءة طفل، والكاريكاتوري بضحكة طفل، والسبعيني بإشراقة طفل... هذا الحاملُ اسمَه كريشته دلالةً كافية على شخصه وإيمانه وصلابة كلمته ورسماته في وجه التقلبات، صار ذاكرةً تؤرخ لسلالة من الجمهوريات، لقافلة من الرؤساء ولمدٍّ وجزر من الحكومات ولعقاربَ تدق في ساحة النجمة معلنة ولادة مجلس النواب.
إنه هذه كلُّها، وكل هذه معه صارت أرشيفا ذهبيا بقلمه لوطن مثقل بالرماد، صوّره بآلاف اللوحات في معرض رسوماته، وشطبَ أبشعَ الوطن بشحطة من ريشته الذهبية.
ولا يزال بعد سنوات غيابه يلوّح بالريشة من بعيد، ويرسم للوطن لوحةً لن تكتملَ إلا حين يشاء بإبداع يدِ روحه لأن محبرتَه وألوانَه لم يُمسكها أحد ولن... فهو صخرةُ الريشة وصادقُ الفكرةِ حتى اللمعة، لأنه بيار صادق.... وكفى.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني