جبران تويني... جرحٌ مفتوحٌ كلّما يصيح الديك
جبران تويني... جرحٌ مفتوحٌ كلّما يصيح الديك

خاص - Saturday, December 12, 2020 1:25:00 PM

الاعلامي بسّام برّاك

حين تنسدلُ الستارةُ على خمسَ عشرةَ سنةَ رحيل، هل تكون الذاكرةُ قابلةً للنسيان أم تبحث عن الغائب لتستردَّه؟!
ها قبلَ انتصاف كانون يستعيد جبران التويني مطارحَه. هو من ذهَب الى التراب بقلمٍ وجريدة وورق في صُبح رماديٍّ .
يومها لبس ثيابَ الصحافي بأناقةٍ للمكتب، وتسربل بروح مُقاتل مستعدٍّ للانضمام الى سلسلة أسماءٍ عُلقت على خشبة، فكانت خشبتُه من نسرة المغارة، واستشهادُه في زمن الولادة.
منذ ٢٠٠٥ والترابُ مذهولٌ بتعفُّر جبران فيه وسيرورتِه إليه قبل أوانِ الأوان، وفي عز موسم الحاجة الى أحياء يسيرون في وداع السابقين ...
كان التويني كلَّ صباح يشتري جريدتَه ليكون قارئَ ذاته على غرار القارئين وليتلمّس افتتاحيتَه، وكان يدرك أن يومًا ستكون افتتاحيتُه خاتمتَه بين رأس قلم وحَدّ رصاصة، بين حبر الفكرة ودم القلب.
يومَها تَصفح بكلماته ملامحَ ارتحالَه فتأكّد من قساوة عباراته أنها قطارٌ سيعبر به إلى مقلب آخر بعيدًا عن وطن وخوَنة قريبين وبعيدين لا يحتملون قسَمَه، فانقسمَ به الطريقُ، كأني به تقصّدَ الموت فاتحا له يديه ، واحدة تقلّبُ صفحاتِ الجريدة، وثانية ترفع القلمَ وعيدًا . من حينها بات يومُ جبران ذكرى، لكنه عامًا بعد عام انتابه خفْتُ التصفيق كما هي الطقوس الشعبية مع كل شهيد يأفل، ومع مرور الوقت على بذلته الأخيرة.
غسان تويني وحدَه ظل يتوجّع ابنَه مع كلِّ ما تَحَمّله من صبر واستنفده من تَصبُّر.... أيَّ سفير للوجع كان؟ ظل يهزّ ابنَه من بعيد حتى يصيحَ الديك وراح يحجّ الى مكتب وحيده الثالث بعد وفاة ولدَيه مكرم ونايلة وزوجته الشاعرة ناديا.
ظل الأبُ غسّان يؤمُّ جريدة "النهار" حاملاً عمرَه المديد إزاء عمر ابنه المختزَل، وأخذ يكتب الضوءَ في غمرة العتم ويلملم بذاكرته الثمانينية الجالسةِ في ركن الغياب وقفاتٍ من أربعينيّة عمر جبران الفارس الآخذِ في السير عكسَ موجة السكون ...
ظل العميد غسان يلتفت صوب الديك الأزرق القاني المرسومة أعلى جبين جريدة "النهار"، يطلق له العنان لفجر جديد على وقع ما كتبته يمناه المتصدِّعة يوم السقوط العالي والوداع القاسي "جبران لم يمت والنهار مستمرة."
اليوم غسان وجبران كلاهما في عناقٍ وتماه . "النهار" عادت حلمًا من أحلامهما. وصار لِزاما علينا القولُ لجبران إذا عاد القلمُ إليك من أبيك وورق الجريدة بلغَك من مطبعة السماء. فلا تنسَ ذات ذكرى كانونية أن تقلبَ الحلم حقيقة ليدركَنا الديك وليبدأ النهار وتُرفعَ الستائرُ السودُ المنسدلة على وجه هذا الوطن عنه.وكم هي متكاثرة من مسؤول حالك وعهد قاتم وحكومة تصرِّف الشجنَ الأسود طالما النور لن يبصرَ حكومة تُبيّض وجه العهد هذا...
هذه الظروف السوداوية بعد استشهادك بعقد ونصف العقد تبرّر لنا أن شهادتَك غيرُ مبرَّرة، وأن غيابَك ليس أجملََ من بقائك وأنّ وطنًا شئتَه حُرًّا بات يسجن بعضَه بل كلَّه في قفص كبير كبير كبير...وأنّ عبارتك "دفاعًا عن لبنان العظيم" أوَت إلى سُبات عميق ...
ولن يجديَ معها حتى عمودُ مقالك اليومي لحظةَ يصيح الديك.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني