"سمكة" التحويلات "الدسمة" تُطعم الجائع ولا تبني الاقتصاد
"سمكة" التحويلات "الدسمة" تُطعم الجائع ولا تبني الاقتصاد

اقتصاد - Monday, January 25, 2021 6:51:00 AM

نداء الوطن

خالد أبو شقرا 

عند معرفة سبب صمود اللبنانيين النسبي في أول أعوام الأزمة سنة 2020، يبطل العجب من عدم زوال البلد عن خريطة العالم الاقتصادية. فالانهيار الدراماتيكي المتسارع منذ 17 تشرين الاول 2019، والمترافق مع عزلة سياسية غير مسبوقة، وعدم تنفيذ أي خطط إصلاحية، تزامنا مع إحتلال لبنان المرتبة الاولى عالمياً في نسبة تحويلات المغتربين إلى الناتج المحلي.

 

مخالفاً كل التوقعات، حصد لبنان في العام 2020 حصة الأسد من تحويلات المغتربين. فعلى الرغم من تراجع قيمتها من 8 مليارات دولار في العام 2017 إلى 7 مليارات في العام 2020، إلا نسبة التحويلات من الناتج المحلي إرتفعت من 15.1 في المئة في العام 2017 بحسب تقديرات البنك الدولي، إلى حدود 40 في المئة، في حال اعتبرنا ان الناتج إنخفض في العام الماضي إلى 17.5 مليار دولار. وبذلك تكون هذه التحويلات قد شكلت "حبل النجاة الوحيد لآلاف الاسر للإستمرار في بلد منهوب تحتكره سلطة سياسية لنفسها"، برأي المستشار الاقتصادي في صندوق النقد الدولي لأميركا اللاتينية رند غياض.

تعكس الإنهيار

تبوُّؤ لبنان على مدار السنوات الماضية المركز الثاني من حيث حجم التحويلات الوافدة، ومن حيث مساهمة هذه التحويلات في الناتج المحلي، بعد كل من مصر وفلسطين على التوالي، لا يعني ان الفائدة الحالية من هذه التحويلات اقتصادياً ما زالت نفسها. فـ"استقرار التحويلات في العام 2020 لا يعكس اي إيجابية كما يحلو للبعض تصويره"، يقول وزير الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات عادل أفيوني،"حيث إنها لم تعد تحويلات ثقة وإدخار وإستثمار، بل هي تعكس الإنهيار المعيشي وتفاقم الفقر. كما أن أغلبها من مغتربين يساعدون أفراد عائلاتهم المعوزين، أو الجمعيات، أو يسددون قروضاً ليستفيدوا من إنهيار اللولار".

تحويلات المغتربين تأتي عبر ثلاث قنوات رئيسية: شركات تحويل الاموال التي يدخل عبرها ما بين 200 و250 مليون دولار شهرياً، أو ما يقارب 2.6 مليار دولار سنوياً، فيما تتوزع النسبة المتبقية والمقدرة بـ 4 مليارات دولار بين المصارف، وما يحمله المغتربون نقداً إلى لبنان. وهذا الرقم المقدر للعام الماضي بـ 7 مليارات دولار هو "الحد الذي لا يمكن ان نتراجع عنه في العام 2021، أو حتى في الاعوام التي ستليه"، يقول عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي د.أنيس بو دياب، "وذلك على الرغم من كل الصعوبات والتحديات الاقتصادية التي ستولدها كورونا خلال النصف الاول من العام الحالي في مختلف دول الاغتراب اللبناني. إلا ان مسيرة التعافي في دول الخليج تحديداً، ومختلف دول العالم، ستنطلق بعد النصف الاول من هذا العام، وستحمل معها انتعاشاً وارتفاعاً في معدلات النمو. مما سينعكس حكماً بشكل إيجابي على اللبنانيين العاملين في الخارج، ويزيد من قدرتهم على تحويل الأموال إلى ذويهم".

إنتفاء عامل الاستثمار من الحوالات

تقديرات صندودق النقد الدولي تشير إلى أن متوسط التحويلات إلى لبنان بلغ خلال العشر سنوات الماضية 6.9 مليارات دولار. إلا ان "الفرق بين الاعوام الماضية واللاحقة، هو انتفاء عامل الاستثمار من هذه التحويلات بسبب إنعدام الثقة، وعدم القيام بأي اصلاحات في مختلف القطاعات"، بحسب بو دياب. ما يبرهن هذا الواقع هو محافظة التحويلات عبر واحدة من أكبر الشركات العاملة في لبنان التي تستحوذ على 70 في المئة من السوق، على العدد نفسه من الحوالات الشهرية المحددة بـ 150 ألفاً، فيما سُجل إنخفاض متوسط قيمة الحوالة من 850 دولاراً إلى حوالى 600 دولار.

الغرض الاساسي من مختلف الحوالات التي يقدر متوسطها العام، بحسب بو دياب، بحدود 200 دولار شهرياً للأسرة، هو دعم المغتربين لذويهم ومساعدتهم على الصمود في ظل الإنهيار الاقتصادي وتراجع القيمة الشرائية لليرة اللبنانية. فبالاضافة الى أهمية هذه الحوالات اجتماعياً في إنقاذ عشرات آلاف الأسر من العوز والجوع.. فان لهذه الحوالات دوراً أساسياً في المحافظة على عدم إرتفاع سعر صرف الدولار إلى أرقام خيالية. "فمراوحة سعر الصرف منذ أشهر بين 8 و9 آلاف ليرة مردّه إلى تدفق الدولار إلى البلد من بوابة تحويلات المغتربين"، يقول بو دياب.

تضييع الفرص مستمر

بقاء هذه التحويلات كـ"بدل عيش" هو أشبه بمن يعطينا سمكة بدلاً من أن "يعلمنا الصيد". فالجزء الاكبر من التحويلات يذهب إلى الاستهلاك. وبالتالي لا يلبث ان يخرج من شباك الاستيراد بعدما يدخل من باب المساعدات. فيما الجزء المتبقي يستعمل لتسديد الديون للمصارف، واستفادة المصنفين "مقيمين" من فرق سعر الصرف لدفع قروضهم على أساس 1500 ليرة، بدلاً من دفعها باللولار أو بسعر الصرف الحقيقي. كما انه يسجل ازدياد في إنجاز معاملات تسجيل العقارات، حيث شكلت الضرائب المستوفاة منها في العام 2020 حوالى نصف ايرادات الدولة. كما ويلاحظ أيضاً إزدياد إجراء معاملات حصر الإرث، وغيرها الكثير من المعاملات الإدارية مع الدولة، التي ما زالت تُدفع رسومها على أساس سعر الصرف الرسمي. من هنا فان هذا المبلغ الكبير من التحويلات، الذي يشكل أقل من نصف حجم الاقتصاد بقليل، ستتضاعف قيمته المضافة في حال وظف في الاستثمار، وسيكون من شأنه تحفيز النمو وخلق فرص عمل وتحريك العجلة الاقتصادية. "إنما مع هذه الطبقة السياسية التي قطعت أوصال كل يد مدت لمساعدة لبنان في محنته، من مؤتمر "سيدر" وصندوق النقد، مروراً بـ"ألفاريز أند مارسال"، ووصولاً إلى البنك الدولي.. فان تضييع الفرص مستمر"، يقول الخبير الاقتصادي جان طويلة، "فلبنان خسر ثقة الداخل والخارج ولن يدخل أي قرش للاستثمار طالما نحن مستمرون في إرسال الاشارات السلبية إلى المحيط العربي والمجتمع الدولي".

في الوقت الذي يشكل فيه لبنان فرصة ممتازة للإستثمار في حال بدأت مسيرة الإصلاحات السياسية والاقتصادية، "نرى انه قد مضى 465 يوماً من دون ان يتمكن المودعون من الحصول على اموالهم، و 322 يوماً على التخلف عن سداد الديون"، يقول طويلة، "ومع هذا ضيعنا 94 يوماً، وعداد التعطيل ما زال مستمراً، من دون أن نشكل حكومة". وبالتالي فان "البلد الذي قد يكون الوحيد في العالم الذي لم يضع خطة انقاذ ويشكل حكومة مسؤولة وينطلق بخطة إنقاذ بعد نحو سنة على إعلان افلاسه، لا يمكن ان يحوز الثقة ولا ان يجلب الاستثمارات".

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني