حاجة القضاء الى قضاة
حاجة القضاء الى قضاة

خاص - Wednesday, February 10, 2021 4:34:00 PM

نقيب المحامين سابقا نهاد جبر  

تعليقاً على القرار رقم 1189 تاريخ 28/1/2021 الصادر عن معالي وزيرة العدل والذي قضى بتأليف لجنة لوضع دراسة حول عدة مواضيع تتعلق بمستحقات مالية وسعر صرف الليرة اللبنانية وغيرها، لا بدّ من ابداء الملاحظات التالية:

ان القرار المشار اليه اعلاه، بما يعود لتأليف اللجنة استناداً للمادة 33 من المرسوم الاشتراعي رقم 151 تاريخ 16/9/1983 (تنظيم وزارة العدل)، جاء مخالفاً لنصّ هذه المادة لجهة تأليفها من قضاة عدليين عاملين، في حين ان تأليفها محصور بقضاة عدليين او اداريين متقاعدين من بين القضاة الملحقين بالوزارة او غيرهم من المحامين وسائر رجال القانون وأهل الخبرة ، ولم تنصً هذه المادة على القضاة العدليين العاملين .

 

    وفي كل حال،

 

     إن تأليفها من قضاة عدليين عاملين، يطرح اشكالية، انه في حال أبدى هؤلاء رأيهم في المواضيع المطروحة أمام اللجنة، سيكونون أسيرين لرأيهم ومقيّدين به عند طرح اي نزاع أمامهم، بأي موضوع من المواضيع المذكورة في القرار أعلاه، الأمر الذي يحدّ من استقلاليتهم وتجرّدهم في القيام بمهامهم وفق ما نصّت عليه المادة 20 من الدستور، كما يخالف البند 6 من المادة 120 وما يليها من ق.أ.م.م.، مما قد يستدعي طلب ردّهم او تنّحيهم من قبل أحد الخصوم في الدعوى أو يشكّل لهم إحراجاً وفق المادة 122 من ق.أ.م.م.، ما  يؤدي الى رفع القاضي او المحكمة يدها عن الدعوى وإحالتها الى مرجع قضائي آخر، وهذا ما يشكّل سبباً للتأخير في البتّ بها ،

 

والحاجة في القضاء الى قضاة حكم وليس الى قضاة لدراسة نقاط قانونية يقوم بها سواهم.

 

     أما بالنسبة للأسئلة المطروحة على اللجنة:

 

  • السؤال الأول: هل يحق للاطراف اشتراط الايفاء بالعملة الأجنبية، وفي حال الايجاب هل يؤدي بطلان البنود المحرّرة بالعملة الاجنبية كوسيلة دفع الى بطلان الاتفاقية برمتّها؟

 

الجواب يكمن في قانون الموجبات والعقود.

 

فالمادة 221 منه نصّت عن ان العقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين ويجب ان تفهم وتفسّر وتنفّذ وفاقاً لحسن النية والانصاف والعرف.

ليس في قانون الموجبات والعقود نصاُ يسمح للقاضي بتعديل مضمون العقود حتى في حال فقدان التعادل بين الموجبات او في حال كان العقد غير متسّم بالعدل والانصاف او مخالف للعرف وذلك عملاً باحكام المادة أعلاه.

 

        وعليه،

       ان العقود المحرّرة بالعملة الأجنبية كوسيلة دفع ليست سبباً لابطال العقد برمته عملاً بالحكام المادة       233م.ع.

 

      والمثال على ذلك،

      ان عقود الايجار المحرّرة بدلاتها بالعملة الأجنبية، وفي حال حصول نزاع حول البدلات، فتعيين البدل بالعملة الأجنبية ليس سبباً لابطال العقد برمته، إذ يبقى النزاع محصوراً حول البدل فقط ولا ينسحب على العقد برمته.

 

  • السؤال الثاني: في حال تمّ الاتفاق على التعامل بالعملة الأجنبية، هل يحق للمدين ان يبرئ ذمته بالعملة الأجنبية؟

 

الجواب على هذا السؤال ينطلق من المادة 301 م.ع. التي نصّت على:

 

" عندما يكون الدين مبلغاً من النقود، يجب ايفاؤه من عملة البلاد.

وفي الزمن العادي حين لا يكون التعامل اجبارياً بعملة الورق، يظلّ المتعاقدون احراراً في اشتراط الايفاء نقوداً معدنية معيّنة او عملة اجنبية."

 

وهذا ما ينسحب على السؤال الأول أيضاً.

 

مما يفيد ان المدين يحق له ابراء ذمته بالعملة الوطنية سنداً للمادة اعلاه ، ما لم يشترط الأيفاء بالعملة الأجنبية .

 

والدليل، ان الاحكام القضائية الصادرة مؤخراً استقرّت على تطبيق المادة 301 م.ع.، المتوافقة مع المادتين 7 و 192 من قانون النقد والتسليف.

 

  • السؤال الثالث: هل يعتبر صرف الدولار المحدّد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف (1507,50 ل.ل.) سعراً رسمياً لصرف الدولار، واذا كان الجواب سلبياً كيف يتم تحديد سعر صرف الدولار من قبل القضاء؟

 

ان سعر صرف الدولار المحدّد من مصرف لبنان ووزارة المالية والمعمول به من قبل الادارات الرسمية والذي على اساسه صدرت ميزانيات وموازنات الدولة، هو على أساس 1507,50 ل.ل. للدولار الواحد وعليه جرت التعاملات بين المصارف والأفراد منذ حزيران 1999.

بحيث ان التعديل في سعر صرف الدولار يعود لمجلس النواب وليس للقضاء، مع الاشارة الى ان الأحكام القضائية الصادرة مؤخراً اعتمدت هذا السعر كسعر رسمي ، جرى اعتماده عرفا .

 

  • السؤال الرابع: هل يحق للدائن ان يرفض الايفاء بواسطة شيك محرّر بالعملة الأجنبية اذا كانت المؤونة محجوزة لدى المصرف؟

 

للجواب على هذا السؤال، يقتضي العودة الى المادة 317 م.ع. التي نصّت على ان الايفاء بواسطة التحويل (الشك) يبقى خاضعاً لاحكام القانون الصادر في 7/4/1330 الذي لا يزال مرعي الاجراء، وفي هذا المجال، استقرت اجتهادات المحاكم على اعتبار الشك المنظّم وفقاً للأصول هو وسيلة دفع وايفاء وابراء الذمة ، وفق ما نصّت عليه المادة 431 من قانون التجارة اللبناني.

 

استناداً للمعطيات اعلاه،

 

واذا كان من حق وزير العدل تأليف اللجنة المشار اليها اعلاه، فانّه يقتضي السؤال عن الغاية منها في هذه الظروف المالية الصعبة التي يمرّ بها البلد، خاصة وان رأي اللجنة، ليس ملزماً ودونه عقبات عدّة، سبق الاشارة الى بعضها، وأي رأي مخالف ، يستوجب تعديلاً لمواد في قانون الموجبات والعقود وقانون التجارة اللبناني، وقانون النقد والتسليف وقانون أصول المحاكمات المدنية ، وسيعرقل سير الدعاوى العالقة او التي ستقدّم في ضوئها، فضلاً عن اي رأي اللجنة واقتراحها اي قانون، سيصطدم بصلاحيات لجنة الادارة والعدل في مجلس النواب التي تمثُل فيها وزارة العدل بشخص الوزير او من تنتدبه ونقابتي المحامين في بيروت وطرابلس، ومن ثمّ الهيئة العامة لمجلس النواب، بحيث كان من الأفعل الذهاب مباشرة الى لجنة الادارة والعدل في مجلس النواب باقتراح قانون يقدّم وفقاً للأصول. الا اذا كانت الغاية من وراء تأليف هذه اللجنة، على غير ما ترمي اليه، خاصة وإن قرار تأليف اللجنة لم يتضّمن اسباباً موجبة واضحة تبرّر تأليفها وخلفياتها، في حين ان المحاكم تبثّ في النزاعات المعروضة أمامها وأجمعت أحكامها باستقرار على المنحى الذي اتّخذته من الأحكام الصادرة عنها، بحيث ان تأليف هذه اللجنة، والقرار الذي سيصدر عنها سيعرقل حسن سبر العدالة، في زمن لا يسمح بهدر الوقت في مسائل لا طائل منها.

وفي هذا السياق ،

 

ولأن ودائع الناس في المصارف ، الضائعة بين تعاميم مصرف لبنان غير القانونية ، خاصة ودائع الأدخار ، التي تطغى عليها ميزة الملكية التي كفلها الدستور في الفقرة "و" من مقدمته والتي هي حجًة مطلقة على المصرف الملزم باعادتها بالعملة المودعة بها ، عند طلبها أو عند استحقاق أجلها ،

وهذا ما أستقرًت اجتهادات المحاكم عليه ،

 

ولأن اعادة هذه الودائع الى أصحابها هي من مسؤولية المصارف بمجالس اداراتها والمساهمين فيها وهي مسؤولية مشتركة تضامنية وتكافلية فيما بينهم تجاه المودعين ، الذين لا علاقة لهم بما قامت به هذه المصارف من عمليات مع الغير ومع مصرف لبنان ،

 

ولأن الحالة التي تمنع المودعين من استعادة ودائعهم ، باتت تشكًل تهديدا مباشرا على الأمن الأجتماعي وعلى السلطة والنظام بأوجهه كافة ومنها النظام الأقتصادي الحرً الذي نصً عليه الدستور،

 

ولأن حالة الضرورة التي هي من صلب النظام القانوني ، ما يحتًم على ألقضاء الوطني الممثًل بمجلس ألقضاء الأعلى  أوالهيئة العامة لمحكمة التمييز وضع يدًه على المواضيع المثارة في القرار رقم 1189 تاريخ 28/1/2021 ، بدلا من لجان قراراتها غير ملزمة ،

 

ولأنه ، فضلا عن حالة الضرورة ، ان مبدأ حماية النظام القانوني والناس في ملكيتهم ، تستدعي تدخلً القضاء الوطني ، دون أي قضاء آخر ، وذلك من خلال مجلس ألقضاء ألأعلى أو الهيئة العامة لمحكمة التمييز ، بالمبادرة الى :

 

1- استعادة القضاء الوطني سلطة البتً بالملفات المتعلقة بالحسابات المصرفية وتحاويلها وتهريبها .

     و توحيد الأجتهاد فيما خصً هذه النزاعات .

 

2- دعوة القضاة والمحاكم الى وضع اشارة منع تصرًف على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة ملكيتها لمصرف لبنان وللمصارف التجارية في لبنان والخارج ، على أن يشمل هذا الأجراء أموال أعضاء مجالس الأدارة والمساهمين فيها ، بناءا على افادة نفي ملكية توفرًها أمانة السجل ألعقاري في بيروت ولائحة توفرًها جمعية المصارف ، أو الطلب من الهيئة العامة لمحكمة التمييز تنفيذ هذا الأجراء ، أو بواسطة النيابة العامة المالية .

 

3- دعوة القضاة والمحاكم الى الأسراع في البتً بالدعاوى العالقة .

 

    ولأنه ، رغم ما قيل ويقال ، فالثقة ما تزال قائمة في ألقضاء اللبناني ، من خلال قضاة مشهود لهم بالنزاهة والأستقلالية وألجرأة ،

 

    أقدموا ، أنقذوا لبنان وشعبه .

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني