اعلن الرئيس فؤاد السنيورة "انه بعد نكبة فلسطين عام 1948 ونكبة الهزيمة العربية في العام 1967، نكب العرب مرة ثالثة في العام 1990 بغزو صدام حسين للكويت. وإذا كانت النكبة الأولى والثانية قد وقعتا على يد عدو الأمة، إلا أن نكبتهم الجديدة كانت على يد رئيس دولة عربية شقيقة وجيش عربي".
واعتبر "اننا وصلنا الى هذا الدرك، لأننا أضعنا البوصلة الأساس التي تهدينا إلى الطريق القويم والمنهج الصحيح في الدين والدنيا، واتبعنا حكم الفرد بدل الحكم الديمقراطي الذي تعتمد فيه المساءلة المؤسساتية الديمقراطية للحكم، وفضلنا الاستئثار بدل التشاور، وقبلنا بالاستبداد بدل الديمقراطية، والمحاباة بدل المحاسبة، والزبائنية العائلية والحزبية والقبلية والطائفية، بدل الحوكمة والتنافس الصادق. ونسينا وتناسينا الإصلاح والتطوير في الدولة وفي أنظمة الحكم وفي الدين والمعتقد".
كلام الرئيس السنيورة جاء في كلمة له عبر منصة "زووم" في احتفالية ذكرى الوعي التي اقيمت لمناسبة 30 عاما على تحرير الكويت من الغزو العراقي بعنوان: "كويت السلام- بقلوب عربية"، برعاية وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، وتنظيم معهد المرأة للتنمية والسلام برئاسة السيدة كوثر عبد الله الجوعان.
وقال:"أخذني التفكير في الحديث عن مناسبة مرور 30 سنة على تحرير دولة الكويت من الغزو الصدامي إلى رحلة مع الذكريات، وإلى ما كنا نفكر ونحلم به في النصف الثاني من القرن العشرين من تحرير ونهوض وطني وقومي وديمقراطي وحكم رشيد وحوكمة، وإلى ما أصبحنا عليه في حاضرنا، وكيف، وياللأسف، ننظر وتنظر إليه مجتمعاتنا العربية من خوف على المستقبل، وبما أصبح يحول دون مشاركتنا للعالم وباقتدار في نموه وتطوره وحضوره الثقافي والاقتصادي".
وتابع:"كانت نكبة فلسطين أولى النكبات التي واجهناها والتي قطعت الطريق على تلك الآمال العربية التي علقناها وحلمنا بها. كانت بداية الضربات الموجعة التي أصابت الجسم والبنيان والوجدان العربي. وهي قد أثبتت فشل وعجز انظمتنا السياسية الوليدة آنذاك. ورأينا كيف انصرف العرب بعدها إلى مرحلة ثانية من السعي إلى النهوض من جديد. للأسف، كانت مرحلة تم خلالها توالد وسيطرة الأنظمة العسكرية الاستبدادية والقمعية. وبالتالي، لم تتحقق آمالنا باستعادة فلسطين بل تلقينا ضربة جديدة تمثلت بالانفصال بين سوريا ومصر. وكان بعدها تضييع لجزء آخر من فلسطين في العام 1967. وحيث تتالت النكبات بعدها في تجارب أخرى من الفشل والخيبة، وسقطت معها آمال تحرير فلسطين. وكان نتيجة ذلك أن بدأنا نحصد نتائج وتداعيات القمع والاستبداد في ظل أنظمة الرأس الواحد والحزب الواحد".
وتابع:"في صبيحة الثاني من شهر آب من العام 1990، كانت هناك قمة عربية مقررة الانعقاد لبحث التهديدات الصدامية للكويت في القاهرة، لكن الجلسة الافتتاحية لم تنعقد، بعد ورود أنباء الغزو الصدامي. بعض العرب طرحوا التوسط مع المعتدي قبل اتخاذ أي موقف. لكن لبنان الذي كان ممثلا برئيس الحكومة الدكتور سليم الحص (أطال الله بعمره)، بادر مباشرة ومن دون تردد وباسم لبنان إلى إصدار بيان من القاهرة يدين الغزو جملة وتفصيلا. وهو قد وصف الأمر من العاصمة المصرية بالكارثة القومية، وقد كان يعبر في تلك اللحظة عن موقفه الوطني والقومي الراسخ الذي عرف عنه وتسلح به، وعن عمق العلاقة اللبنانية الكويتية وعمق التلاقي الكويتي اللبناني.
وهو قال يومها: لا نستطيع أن نقر للأقوى بأن يبتلع الأضعف أو للأكبر أن يلتهم الأصغر. ولبنان كما هو معروف تربطه بالكويت علاقات وثيقة وصفات وقواسم مشتركة كثيرة، أبرزها أنه دولة صغيرة محاطة بالكبار والاقوياء.
لم يتورع صدام عن دفع جيشه الى الداخل الكويتي واحتلال الكويت".
واشار الى ان "القيادة السعودية فهمت رسالة التهديد، وشرعت في التحضير لأوسع تحالف، وانطلق العمل لتحرير الكويت وردع العدوان والغزو الصدامي"، لافتا الى ان ما "حصل وتحقق كان بفضل المساعدة القوية للمملكة العربية السعودية والموقف العربي والدولي. ولكن، وفوق ذلك كله، كان الفضل لصلابة وأصالة القيادة الكويتية وإرادة وعزيمة شعب الكويت المنيعة والصلبة والمصممة على تحرير بلدها".
وقال:"وهكذا، وبعد نكبة فلسطين عام 1948 ونكبة الهزيمة العربية في العام 1967 نُكب العرب مرة ثالثة في العام 1990 بغزو صدام للكويت. وإذا كانت النكبة الأولى والثانية قد وقعتا على يد عدو الأمة. إلا أن نكبتهم الجديدة كانت على يد رئيس دولة عربية شقيقة وجيش عربي. صحيح أن الكويت تحررت من نير ذلك الاجتياح، ولكن الجرح الكبير الذي تولد ترك ندوبا عربية كثيرة ومعاناة شديدة بعد ذلك للشعب العراقي وللعرب أجمعين نتجت عن غزو واحتلال العراق بدعوى تدمير أسلحة الدمار الشامل، والتي كان من نتيجتها تفكيك الدولة العراقية وتسريح الجيش العراقي، وبالتالي إزالة دور للعراق كان له عبر التاريخ. دولة حاجزة ما بين الداخل الآسيوي ومنطقة البحر المتوسط. وذلك ما كان من نتيجته إيقاظ واستعادة الأحلام الإيرانية في السيطرة الفارسية على عدد من الدول العربية. وكان من نتيجة ذلك، أنه قد أصبح على العرب أن يعيشوا نكبتهم الرابعة في الاحتلال الجديد، وأن يعانوا من الضغوط المستمرة عليهم والآيلة إلى إشعال الفتن الطائفية والمذهبية في المجتمعات العربية والإسلامية. وهي الحال التي تعيشها وتعاني منها دول عربية في مقدمتها سوريا والعراق ولبنان واليمن".
وسأل:"لماذا وصلنا الى ما وصلنا اليه ها هنا؟ من النكبة والعزلة والقنوط؟ ببساطة لأننا أضعنا البوصلة الأساس التي تهدينا إلى الطريق القويم والمنهج الصحيح في الدين والدنيا.
في السياسة، لقد اتبعنا حكم الفرد بدل الحكم الديمقراطي الذي تعتمد فيه المساءلة المؤسساتية الديمقراطية للحكم، وفضلنا الاستئثار بدل التشاور، وقبلنا بالاستبداد بدل الديمقراطية، والمحاباة بدل المحاسبة، والزبائنية العائلية والحزبية والقبلية والطائفية، بدل الحوكمة والتنافس الصادق. ونسينا وتناسينا الإصلاح والتطوير في الدولة وفي أنظمة الحكم وفي الدين والمعتقد".
وتابع:"إنه، ومع التحدي الذي تواجهه أمتنا وتواجهه بالتحديد بعض بلداننا العربية من نزاعات واصطفافات طائفية ومذهبية، لم يعد أمامنا في بلدان وطننا العربي إلا العودة للطريق الصحيح الذي سارت عليه كثير من شعوب الأرض، ونجحت في تحقيق التطور والتقدم على مسارات إعادة بناء دولها وحفظ سيادتها وفرض سلطة القانون والنظام على الجميع. وهي قد قامت بذلك عبر إعادة الاعتبار لنظام المشاركة الحرة والاختيار الحر، اي الاحتكام الى الأنظمة الديمقراطية القائمة على احترام المواطنة واحترام الآخر والقبول بالاختلاف والتنوع من ضمن الوحدة، والاحتكام الى العقل والتعاون المتساوي وليس إلى الغرائز، والتعاون الاقليمي والعربي على أساس التكامل وتعزيز نظام المصلحة العربية المشتركة بديلا عن التنافر والتصارع، وبالتالي العودة إلى مبادئ احترام حق الإنسان العربي في حياة حرة وكريمة".
واضاف:"في خضم هذه المصائب التي تنهال على رؤوس دولنا وشعوبنا العربية، أرى أن هناك حاجة ماسة لتكوين موقف عربي يخرج الأمة من حال التراجع والتقاعس والتواكل ويوقف حالة الانحدار العربية، ويعيد للعرب احترامهم لأنفسهم، ويعيد إليهم احترام العالم لهم ولقضاياهم، ويستعيد بموجبه المواطنون العرب بعض الأمل في المستقبل.
يقول الشاعر العربي:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا
فنحن العرب أمام مفترق: نكون أو لا نكون.
والجواب: هو نعم يجب أن نكون. وليس لنا في هذا السبيل بديلا عن أن تتضافر جهودنا وإراداتنا، وعندها لا يعود هناك أمر مستحيل. وهذا يستدعي أن يكون توجه بوصلتنا صحيحا وملتزما بالثوابت العربية القائمة على التعاون والتكامل والاحترام الكامل لبعضنا بعضا، وتعزيز المصالح العربية المشتركة، ويكون الإنسان العربي المتلائم مع حاجاته ومستقبل أمته وأمنها وتقدمها، هو الهدف المقصود والباقي".
ورأى ان "وحدة المصالح والأخطار المشتركة، ما عادت أمورا تشبه العظات أو النصائح التي يمكن تجاوزها أو الاستخفاف بها. وقد كانت دولة الكويت رائدة في إدراك هذين الأمرين والعمل على هدْيهما. وهذه الأمانة للنفس وللمحيط العربي والعالم الأوسع هي التي أفْضت إلى التضامن الكبير العربي والدولي من حولها عندما تعرضت للمحنة القاسية. واليوم يتعرض العرب وتتعرض مصالحهم، بل ويتعرض وجودهم الوطني والقومي لأخطار تنال منهم جميعا، وتنتهك مصالحهم العليا. ولذلك يعود دور الكويت التاريخي للبروز، سواء في جمع الصف الخليجي أو في العمل على مساعدة العراق والقضايا العربية الأُخرى".
وقال:"هناك حركة مبشرة في ليبيا، واتجاه أوضاع السودان للانتظام بالتوازي ومع التفاهم مع الشقيقة الكبرى مصر، وذلك رغم كثرة المشكلات، وهناك تجدد التحرك من أجل فلسطين. لكنّ الاضطراب في سورية ومن حولها وفي اليمن ومن حولها لا يشير إلى ضوء في نهاية النفق. وهذا ما أقصده بالحاجة المتجددة إلى نموذج الكويت ودور الكويت للتآزر والتضامن العربي".
وختم:"أتوجه بالتحية من بيروت إلى صاحب السمو أمير البلاد أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الذي تابع منهج الأمير الراحل صباح الأحمد الصباح طيب الله ثراه في أسلوبه ومنهجه الناجح، والذي أثمر أخيرا وساطة ناجحة على يديه في جمع الأشقاء بعد طول افتراق. كما وأوجه التحية لجميع إخواني في دولة الكويت العزيزة في هذه المناسبة العطرة، مناسبة تحرير الكويت متأملا بربيع حقيقي قادم نريده لأمتنا ولبلداننا العربية وإنساننا العربي سيأتي بإذن الله لا محالة".