الصحة النفسية في زمن كورونا :قراءة في الاسباب والاثار
الصحة النفسية في زمن كورونا :قراءة في الاسباب والاثار

خاص - Monday, March 30, 2020 5:56:00 PM

أمال مخول  

يشهد العالم اليوم أقسى مرحلة في تاريخه منذ الحرب العالمية الثانية التي حصدت ملايين الأشخاص، فمنذ ثلاثة أشهر والعالم يرزح تحت وطأة فيروس كورونا الذي صنفته منظمة الصحة العالمية كجائحة نظرا لسرعة انتشاره ولشراسته ونظرا للعدوى الشديدة التي يسببها، فبات الحديث عن هذا الفيروس الشغل الشاغل للبشرية جمعاء والموضوع الذي يحتل الصدارة في نشرات الاخبار، في مواقع التواصل الإجتماعي كما في المناقشات بين الأهل والأقارب والأصدقاء.

يتزايد القلق يوما بعد يوم، وهو يتعاظم ليصل إلى حدود الهلع والرعب حتى، فلا سقف رقميا لضحايا فيروس كورونا، ولا جديدا لإيجاد أي علاج أو لقاح مؤكد، قبل وقت طويل أو لكيفية الإنتهاء منه، والحل الوحيد لهذا الفيروس حاليا هو العزل المنزلي وعدم التخالط الإجتماعي، مع ما يسببه هذا الموضوع من قلق ومن تأثير على الصحة النفسية للأفراد والمجتمعات. كل هذه الأمور تجعل البشرية جمعاء أمام قلق وخطر وجودي يهدد كل إنسان في كل أنحاء العالم.

ويرجح أن تترك أزمة فيروس كورونا المستجد وإجراءات الحجر المتبعة في كثير من الدول آثارا نفسية بسبب الخوف من انتقال العدوى والضغط النفسي الناجم عن العزل في المنازل. ويتوقع الطبيب النفسي سيرج إيفيز تسجيل حالات "قلق واكتئاب وأرق واضطرابات إدراكية".

ولا شك أن ما نعيشه اليوم يندرج تحت ما يسمى بالصدمة، ويقول المحلل النفسي رولان غوري في هذا السياق  : "حالات الصدمة تحصل عندما يكون الشخص غير مستعد لحدث ما وعندما نواجه أمرا مباغتا على الصعيد النفسي. إذا ما كنتم تعلمون أن خطرا ما سينشب فإنكم تتحضرون له. الصدمة النفسية ليست متكافئة البتة مع الجراح" اللاحقة بالأشخاص. وقد تُرجم ذلك من خلال إنكار الخطر الذي لازم البعض أخيرا ممن دأبوا على مد اليد للمصافحة، أو الهلع لدى مرضى آخرين تولّد لديهم شعور بأن أمرا ما "ينهار في طريقة عيشنا".

ويشير سيرج إيفيز إلى أن رد الفعل هذا طبيعي في حالات الأوبئة، وهي محطات متجذرة في المخيلة الجماعية منذ زمن الطاعون الأسود في القرون الوسطى والإنفلونزا الإسبانية في مطلع القرن الماضي.

وتندرج مفاهيم مثل "الصدمة"، "القلق"، "الخوف" أو "الإنكار" و"المخيلة" في إطار الصحية النفسية وأهميتها في هذا الظرف ولكن ما هي الصحة النفسية؟ ما هي اسباب القلق؟ ما هي الآثار المترتبة على فيروس كورونا؟ وكيف نجد الحلول لمواجهة هذا الفيروس؟ 

أولا: تعريف الصحة النفسية:

ويقصد بالصحة النفسية "مستوى الشعور بالعافية وغياب الأمراض والاضطرابات النفسية"، وهي تعكس مدى الرضى العاطفي والتكيف السلوكي وقدرة الإنسان على الاستمتاع بالحياة، وشعوره بالكفاءة والاستقلالية وتحقيق الذات والمساهمة المجتمعية".

ثانيا: أسباب القلق من فيروس كورونا.

لا شك بأن فيروس كورونا يسبب القلق وحتى الهلع، وهو قلق مبرر بغياب أي وضوح ومعرفة بمساره الطبي، وبمصيره ومصير البشرية، كما بتفشيه السريع وبعدد ضحاياه المرتفع في كل بلدان العالم. وهنا أهم أسباب القلق:

-       وجود المرض والفزع الإعلامي الذي يحيط بكورونا يشعران الناس بالقلق.

-       سرعة انتشار العدوى والخوف من نقلها إلى أحد أفراد العائلة، خاصة كبار السن ممن يعانون من أمراض مزمنة رفع منسوب الخوف والقلق، كذلك الخوف من الموت ومن فقدان عزيز على القلب..

-       الشائعات الأمر الأكثر إضرارا بالصحة النفسية للناس، ومن الأسباب الرئيسية للقلق.

-       إعلان منظمة العمل الدولية أن آثار الفيروس ستدفع الملايين من الناس إلى البطالة والعمل الجزئي والفقر. إضافة إلى البطالة المقنعة أي تخفيضات في ساعات العمل وفي الأجور.

-       الهلع والخوف لما ينتاب البشرية من فقدان للأرواح والأموال وفرص العمل وعدم الإستقرار والخوف من عدم العودة إلى ما قبل "كورونا" خاصة لدى الدول التي اعتادت على مستويات من الترفيه واشباع الحالات.

-       "قلق آخر يرتبط بالخوف من الموت جوعا (ما يفسر تهافت المستهلكين على تخزين المنتجات الأساسية) وهو دليل على وجود رد فعل حيوي لاإرادي.

-       الخوف من المجهول، فالقلق في هذه الحالة ينبع إذا من أن الإنسان يخاف مما يجهله أكثر من الأمر الذي يعرفه، وهناك نسبة من الغموض والمجهول في مرض كورونا تثير التوجس لدى الناس.

-       ينبع الفزع أيضا من الخوف والقلق على المدى الطويل والذي يضعف المقدرة على العمل.

-        الإغلاق ومنع السفر الذي يولد خسائر وتوترات وتبعات نفسية إضافية على المجتمع حتى لو لم يصاب أفراده، فإغلاق المطاعم والمدارس والمتنزهات يشكل حالة من الضغط تفاقم الضغط والتوتر لدى المجتمعات.

-       خشية الإنسان من التعطل عن العمل والانعزال والاستبعاد الاجتماعي، خاصة  في حال أشيع أنه مريض أو محجور صحيا، فيخاف من خسارة وظيفته، ويخشى أن يكون مصدرا للعدوى، فيقوم بعضهم بالتنصل من الحجر الصحي وإخفاء قدومه من دولة استشرى فيها المرض.

-       اللامعيارية (مصطلح أطلقه أولا عالم الاجتماع دوركايم) والقلق من انهيار الروابط الاجتماعية وغياب المعايير والهلع المتصل بعمليات النهب".

 ثالثا: الأثر النفسي والإجتماعي لفيروس كورونا على الفرد والمجتمع:

إن الإنتشار السريع لفيروس كورونا والموت الذي سببه، كما الحجر المنزلي والخوف من المستقبل ومواجهة المجهول فيما يخص المدة التي سيستغرقها هذا الوباء  وكيفية الخروج من هذه الأزمة وما سيحصل بعد الإنتهاء منها، سبب ويسببب آثارا نفسية وإجتماعية عميقة على الفرد كما على المجتمعات، ومن أبرز هذه الآثار:

-       شعور بالغضب على الحكومات والقطاع الطبي والعاملين فيه، فالإنسان عندما يشعر بالتهديد والقلق يعبر عن ذلك بشكل غضب على الآخرين أحيانا.   

-       الضجر والانغلاق وعدم القدرة على استباق الأمور بسبب عدم القدرة على التنقل والانعزال.

-       الاضطرار إلى الوقوف مع الذات".

-       "الخلافات في داخل العائلات أو المجموعات الضعيفة أساسا، ففي هذه المجموعات والخلايا العائلية، يشكل الحجر المنزلي مصدر مشكلات، بينها الكبت والاختلال في العلاقة بين الأفراد، ما قد يُترجم بصورة عنفية أحيانا. وتقول في هذا الإطار عالمة النفس فاطمة بوفيه دو لا ميزونيف إن "المنازعات مع المراهقين تزداد لأنهم لا يدركون تماما (الوضع) ويرغبون في الخروج مع أصدقائهم. كما أن بعض المسنين يرغبون في العيش كما في الماضي لأنهم يقولون إنه لا شيء عندهم ليخسروه".

-       من الممكن أن ينجم عن الوحدة، أو عن كون الشخص موبوءا، حالات إدمان قد تترجم باستهلاك مفرط للتبغ أو المخدرات أو الكحول.

-       هناك بعض الأشخاص ذو شخصيات قلقة أصلا، فهؤلاء سيتفاقم القلق جليا لديهم في زمن كورونا، مثلا الذين لديهم أساسا وسواس قهري وقلق صحي متعلق بالأمراض في ظل وجود الفيروس في الأجواء، وكأنه أصبح محفزا لظهور أعراض وسواسية أخرى.

ولكن وبالرغم من هذه الآثار السلبية سينتج بالمقابل تبعات وتأثيرات إيجابية تعلمناها أو اكتسبناها من خلال المرض والعودة العميقة إلى الذات وخصوصا بمواجهة خطر الإصابة أو الموت، ومن هذه التبعات:

-       المناعة النفسية التي سيكتسبها الفرد والمجتمع ستكون أعلى بعد الفيروس .

-        تعلم الأمور الصحية بشكل عام، وتعلم الحفاظ على الصحة الشخصية، والمسؤولية تجاه أنفسنا وتجاه المجتمع.

-        تعلم التعامل الإيجابي مع الأزمات، وتعلم المرونة الإيجابية مع تغير الروتين في الحياة وأوقات الفراغ.

-        الشهية على الحياة عندما نخاف من الموت أو من العيش في الوحدة أو فقدان الأحبة" والتي ستتمثل بالشهية الجنسية .

-        تعلم الزهد في الأمور التي اعتاد الأفراد عليها واختفت مع وضع الطوارئ.

-       التعاون المجتمعي والمسؤولية الفردية سيجعل الناس يعيشون هذه الخبرة بألم نفسي وفقدان وحزن أقل.

-       سيشعر الأفراد بالفخر لما أظهروه من إيثار ومسؤولية، هناك مثل ياباني يقول "الأزمات فرص"، وهذه الأزمة هي فرصة لتعلم قيم مهمة للنسيج المجتمعي.

-       المجتمعات ستكون أفضل بعد حين، حيث سيتعلم الناس الحفاظ على الهدوء الشخصي، وتقديم العناية اللازمة للأشخاص المحيطين.

رابعا: الحلول الناجعة لمعالجة القلق الناجم عن فيروس كورونا:

بالرغم من حالة القلق التي يعيشها معظم الناس في معظم دول العالم فإن الحفاظ على الصحة النفسية متاح للجميع إذا تقيدوا ببعض الإرشادات التي تساعد على مواجهة هذه الأزمة، أهم هذه الإرشادات أو الحلول:

-  عدم المبالغة في الإجراءات الاحترازية أو التعطيل عن أداء وممارسة الفرد لحياته اليومية، فالإنسان المرن هو من يجد البدائل ويستمر في الحياة ورعاية أبنائه والتواصل مع الآخرين بطريقة نافعة مع إيجاد البديل الآمن كإلغاء الاجتماعات وإجرائها إلكترونيا.

-  المحافظة على الروتين لأنه ينظم الحياة، وتجنب الفراغ لأنه يزيد من التشوش، لذا علينا إيجاد بدائل تساعدنا على أن نكون مرنين ومنتجين كي لا نقع ضحية لفريسة القلق والتوتر الناتج عن الفراغ.

-  التحدث إلى الأصدقاء عبر الهاتف أو الجلوس برفقة العائلة، من شأنه أن يخلق ديناميكية جديدة ويبعث الطمأنينة في النفوس، ويساعد الشخص على تجاوز القلق أو التوتر.

-   ممارسة الهوايات مع مراعاة الحجر المنزلي، كالقراءة، المشي في الطبيعة للذين يعيشون في القرى والأرياف، الرقص، الرسم، الكتابة أو أي هواية تبعد الفرد عن التفكير الدائم بالفيروس.

-   الإبتعاد قدر الإمكان عن متابعة الأخبار المتعلقة بالمرض وخاصة الشائعات التي تكثر في مثل هذه الأوقات.

-   تجنب العزلة الكاملة وفي هذا الخصوص يعتبر الطبيب النفسي إيفيز أن "الأشخاص الموجودين في كنف عائلات يبدون الأكثر قدرة على تحمل الوضع مقارنة مع أولئك المعزولين."

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني