ولادة قيصريّة من رحم حرب سوفياتيّة، ومنيّة آجلة في كفن أميركيّ
ولادة قيصريّة من رحم حرب سوفياتيّة، ومنيّة آجلة في كفن أميركيّ

خاص - Monday, December 27, 2021 1:08:00 PM

باتريك إيليّا أبي خليل

على أثر ثورة ١٩٧٨ إستلم الإشتراكيّون زمام الحكم في أفغانستان على أنقاض الحكم الملكيّ، شارعين بتشريع الفكر الماركسيّ كأسلوبٍ إصلاحيٍّ، ضاربين عرض الحائط وضع المجتمع الأفغاني السائد والمنغمس بالتقاليد المحافظة والمرتبطة بالدين.


ولتكريس المبادئ الشيوعيّة المستوردة، قامت الحكومة باضّطهاد النخبة التقليديّة والمؤسّسات الدينيّة. ما استتبع اضّطرابات عمّت البلاد وجرّتها إلى حربٍ أهليّةٍ ضروس.


ولمّا مال ميزان القوى لصالح الثوّار المتشدّدين، تدخّل السوفياتيّون عسكريّاً في المستنقع الأفغانيّ، فتوسّعت الفوضى وازدادت وطأتها وأدخلت البلاد في حربٍ طاحنة دامت عشر سنوات، لعب خلالها المتشدّد أسامة بن لادن دوراً أساسيّاً في تكوين ونشر فكره الجهاديّ المتطرّف، وانتهى بتأسيس تنظيم القاعدةٍ الإرهابيّ متّخذاً من جبال أفغانستان الوعرة ومدنها المأهولة حصناً منيعاً إنطلق منه في عمليّاته ضدّ الجيش السوفياتيّ، وأدّى إلى انسحابه منها لاحقاً عام ١٩٨٩.


وبالعودة إلى نَبش القبور المؤرّخة، قرّر بن لادن عام ١٩٨٢ الدّخول إلى أفغانستان والمشاركة في الجّهاد ضدّ السّوفيات، وفي عام ١٩٨٦ توسّع في تنظيم العمليّة الجهاديّة وبناء معسكراته وخطوط إمداده، ليعلن عام ١٩٨٨ عن تشكيل مولوده القبيح، تنظيم القاعدة، العدوّ الجديد الذي سيخلف الإتّحاد السوفياتيّ في العداء للولايات المتّحدة الأميركيّة وحلفائها، لاسيّما بعد حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت، حيث أعاد مقاتلوه توجيه بندقيّاتهم، وباتوا مشكلة لامست الخطوط الحمراء، خصوصاً بعد تنامي الفكر التكفيريّ لديهم وتهديدهم للغرب وللرموز المسيحيّة العالميّة، وسعيهم للإستيلاء على مقدّسات دول الخليج العربيّ على رأسها المملكة العربيّة السّعوديّة لما تمثّله من قيم إسلاميّة.


سُمعت تهديداته في العديد من العمليّات التخريبيّة، كان أبرزها عمليّتيّ تفجير سفارتَي الولايات المتّحدة في كينيا وتنزانيا في آب ١٩٩٨، والعمليّة الإنتحاريّة ضدّ المدمّرة الأميريكيّة "يو أس أس كول" في ميناء عدن اليمنيّ في العام ٢٠٠٠. تبعها في ١١ أيلول من العام التّالي الحدث المأساويّ الكبير الذي كان نقطة التحوّل في تغيير سياسة حكومات الغرب، من معادلة تثبيت الأمن والإستقرار الوطنيّ وحماية الحدود، إلى مواجهة الإرهاب في عقر داره والقضاء عليه من منبعه.


هذا الإجرام دفع بالأميريكيّين وحلفائهم للردّ بقوّة عبر اجتياح أفغانستان، لتطهيرها من جرثومة الإرهاب والقضاء على حكومة طالبان المتبنّية لأسامة منذ صعود نجمه، فاختفى زعيمها الملّا عمر وزعيم القاعدة بعد شهر من الهجوم، لكنّهم تمكّنوا من الأخير بعد ١٠ سنوات، بمساعدة المخابرات الباكستانيّة ضمن حدودها، وقتلوه عام ٢٠١١ إثر عمليّة اقتحام لمجمّع سكني كان يقيم به مع زوجاته وأبنائه.
لكن، وإن كانت تصفيته جسديّاً قد شكّلت، ولو بالحدّ الأدنى، إنتقاماً لأهالي ضحايا جرائمه الشاملة، وردّاً لاعتبار مراكز القرار الغربيّة، إلّا أنّ تصفية مدرسته وثقافته وأفكاره المزروعة في تنظيمه وأتباعه المنتشرين في أقاصي العالم ليس بسهولة القضاء عليه، وقد يأخذ قروناً إذا لم يتمّ التعمّق في دراسة الأسباب الحقيقيّة للتطرّف الأعمى ومعالجتها.


ويبقى أسامة مولود قيصريّ في غرفة العمليّات الباردة، وحلقة من حلقات الإرهاب التي كان لحرب الخليج الثالثة، إجتياح العراق، وثورات الربيع العربيّ، الأثر الأكبر في تسريع تسرّبه وتفشّيه في دول عديدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وساحلها.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني