داعش وليدة أمّ آثمة
داعش وليدة أمّ آثمة

خاص - Monday, December 27, 2021 1:06:00 PM

باتريك إيليّا أبي خليل

تمخّضت القاعدة فخلقت من رحمها إبنة عاقة إلتحفت بلباس عفريت جديد، داعش.


وقبل أن يشتدّ عودها وتنمو خصالها المسنّنة، إنبعث إرهابها في صورة تنظيم جهاديّ صغير في العراق عام 2004 بعد سقوط نظام صدام حسين، مبايعاً القاعدة ومصيّراً ذاته فرعاً لها في بلاد الرّافدين.


كثّف هذا التّنظيم من عمليّاته إلى أن أصبح واحداً من أقوى إخوته في السّاحة العراقيّة، فروع القاعدة، فانبثق منه تنظيم دولة العراق الإسّلاميّة بخلافة أبي بكر البغدادي عام 2010 الذي انتقل في بداية الحرب السوريّة إلى قتال جيش النّظام بهدف تأسيس الإمارة وتطبيق الشريعة، لكن سرعان ما فتح جبهاته كلّها ليقاتل الثوّار أيضاً.


لعب القط في عُقَيل البغدادي فظنّ نفسه رجلاً، وانشقّ عن القاعدة محاولاً ضمّ تنظيم جبهة النّصرة الموالي للتنظيم الأمّ في سوريا كامتدادٍ لتنظيمه، مُطلقاً عليهما مسمّى واحداً وهو الدّولة الإسّلاميّة في العراق والشام أو ما يُعرف بـ داعش ونصّب نفسه رجلها الأوّل، لكنّ النّصرة رفضت حكمه وحلمه وأكّدت ولاءها. ما أدّى إلى اندلاع نار من حملات التخوين والتكفير والإعدامات والإنشقاقات والمعارك الطاحنة بين إخوة السوء.


بيد أنّه وعبر استغلال الفوضى العارمة في الشرق الأوسط، لعبت داعش على صراعات القوى الإقليميّة والوتر المذهبيّ لتقوم، وانطلاقاً من سوريا، بإسقاط عدد مدن غرب العراق، واهمة مناصريها بجمالها المزيّف وجاذبيّتها الفتّاكة.


وقبل بلوغ السنوات الأولى على بروز أنيابها، إستطاعت الإبنة الآثمة أن تدخل التاريخ من بابه الأشدّ دُهمة، ممارسةً شتّى أنواع الإجرام من هتك الأعراض وسبي النساء، تجنيد الأطفال وإعدام العاصين، وجلد وصلب وفتك الخارجين عن ناموسها. تفنّنت بذبح الرقاب وحرق الأحياء والقتل الجماعيّ، مصوّرة عمليّاتها بتقنيّات عالية لبثّ الرعب في النفوس حتّى لم يَسْلم من إجرامها لا المسلمون ولا المسيحيّون ولا الأقليّات الدينيّة الأخرى.


وفي يَفَعها قامت داعش بتفجير الكنائس والمساجد، تدمير المدارس والمباني الحكوميّة، وتحطيم مراكز التكنولوجيا والآثار التاريخيّة. ولم تكتفِ، بل أعلنت مسؤوليّاتها عن العديد من التفجيرات وأعمال الإجرام التي ذهب ضحيّتها الآلاف من المدنيّين والأبرياء، والتي طالت دور عبادة ومجمّعات سكنيّة وتجاريّة وثقافيّة في كلّ من العراق وسوريا والكويت والسعودية وتونس وليبيا واليمن ومصر وتركيا، ولم تشبع من خزّانات الدّم المهرقة في الشرق الأوسط، بل تخطّت في تكفيرها الحدود الإقليميّة لتضرب بلداناً أخرى كأندونيسيا وروسيا والولايات المتّحدة وفرنسا وبلجيكا وغيرها من الدول، مسبّبة جرحاً عالميّاً ملتهباً قد لا يضمد أو يخمد بسهولة.


ولكن، مهما عظم جبروت الإرهاب، يبقى إنسان القرن الحادي والعشرين أقوى من أيّ بوابة زمنيّة تجرّه إلى قرون الحروب الدينيّة وصراع الحضارات، قاهراً تمدّد الفكر الرجعيّ الإنعزاليّ في ظلّ الإنفتاح والتطوّر. فانهارت شراغيف داعش أمام هذه الإرادة المتمثّلة بضربات تحالفات دوليّة غربيّة وشرقيّة وشرق أوسطيّة، أدّت إلى مقتل رجلها البغدادي عام 2019، ومازالت تلاحق فلولها المتبقيّة وخلاياها النائمة المختبئة برؤوسها كالنعامات المنتوفة والمنسوفة تحت جمر واقد.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني