اليأس ممنوع ومحرّم
اليأس ممنوع ومحرّم

ناقوس في أحد - تعليق على الاحداث مع رشيد درباس - Sunday, February 11, 2024 10:33:00 AM

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
 
تتزاحم الأفكار في طابور الناقوس، بتزاحم المستجدات والمفاضلات، فتكون الأولوية عندي لما يلحّ في نفسي إذ اتخذت من أسماعكم حضناً للبوح والنجوى، ومن الدقائق القليلة مصطبة للسلوى، بما هي محاولة للترويح عن النفس من وقع تكسّر النصال على النصال وتهاتر الويلات بالويلات؛ أتحدّث اليوم عن هذه المساحة المتميّزة من الجغرافيا التي نعيش فيها، الغنيّة بالجيولوجيا، ملتقى المناخات والبحور والأنهر، مهبط الديانات، وقد هانت على القريب والبعيد، فأغرت التتار والتركمان والفرنجة ومدعي الفرادة الألهية وأصحاب المصالح والشركات العملاقة، فصارت متداولاً للجيوش والنفوذ والاستيطان، لأن أهلها ومساكينها جحدوا نعمتها ونعمة من خلقها، ولم يحصّنوها من داخلها بتأليف العناصر وتمتين الأواصر.
 
ولهذا فإن الشرق الاوسط في جحيم وحزن مقيم، حتى أن مشاعر معظم أهل الكرة تحولت إلى مقاعد الفرجة والاكتفاء بذرف دمعة من هنا، وإطلاق تنهيدة من هناك. ولعلّ أبرز مظاهر الوهن تتجلّى حالياً بالتفسّخ المجتمعي والفكري، فيحدّثونك عن ثقافة إسلامية تختزل المسيحيين، وثقافة مسيحية نقيضة، إضافة إلى النعرات العرقية والمذهبية؛ وما كان لهذه الترّهات أن تكون لو صبَّ أداء الفرقاء في حوض واحد، تعود مسؤولية امتلائه أو نقصانه أو حتى جفافه على الروافد التي تغذيه، مجتمعة.
 
رغم هذا، لا نستسلم لليأس ولا نعاقره أو ندمنه فهو ممنوع ومحرّم كإدمان المخدرات، وما حيويّة اللبنانيين، وتحركاتهم المنذرة والمتواترة، وتكيّفهم مع البلوى والانتصار على الظلمة بتسخير الشمس لخدمة الليل وادّخار أشعّتها وتخزينها في الألواح، ومعالجة إفلاس البنوك بإبتكار المعاملات الموازية، والإصرار على العلم قبل الطعام وممارسة التنفّس الحر رغم منسوب المياه الذي يغمر الآناف، إلا تأكيد تلو التأكيد على أنّ الكيان المجتمعي الذي قاوم الاهتزاز سحابة قرن من الزمان، قد أصبح راسخاً في الأرض والسرائر والوجدان العام.
 
ولقد ظهر قبس منذ أسبوع ونيّف حين صدر القرار التمهيدي عن محكمة العدل الدولية الذي شكّل قرينة جليّة تنتصر المظلومية أهل غزة وأهل فلسطين، وكان من قضاتها اللبناني الأصل والفرع والمنبت والانتشار نواف سلام؛ بعد أسبوع ونيف صار نواف رئيساً لهذه المحكمة، بل رئيساً لعدالة العالم ورمزاً لها؛ ومن لا يعرف الرجل، أفيده أنه ربيب العائلة السلامية، نشأ كسائر أهله، بين الناس، وعاشرهم وتطبّع بطبائعهم، ونهل من العلوم كمعظم أبناء جيله، فأحرز المراتب العلمية والفكرية، وانغمس في السياسة بعيداً عن الطموحات الشخصية، ومارس المحاماة والتدريس ومثّل لبنان في الأمم المتحدة سحابة عقد من الزمن، وابتكر صيغة النأي بالنفس وتولّى رئاسة مجلس الأمن ثم انتخب بعد ذلك، بصفته الشخصية وليس بصفته ممثِّلاً للدولة اللبنانية، من قبل أعضاء مجلس الأمن وأعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد منافسة قوية، قاضياً في محكمة العدل الدولية، ثم ها هو يتبوّأ رئاستها بجدارة واستحقاق. وإنه على دماثته ودبلوماسيته، شخص واضح وغير ملتبس، عبّر عن نفسه بالقول والكتابة في السياسة والقانون وآخرها كتابه اللافت (لبنان بين الأمس والغد)، فكأني بمن انتخبه قد وجه رسالة قوية إلى سوق الأنتيكا السياسية اللبنانية، فحواها، أنهم استخاروه لما يليق به وبالعدالة، فيما كان النخاسون يحاولون عرضه سلعة للمبادلة والمقايضة.
 
هو ليس من أهل التفاخر، ولكن أهله يفخرون به، في وقت يشاهدون فيه عدالة بلادهم على الحال التي تعاني منها؛ إنه عزّ اللبنانيين، ووخز عميق لصاحب القانون وعمّاله، فلقد صرّح عقب انتخابه بأنه يامل أن يعود إلى مدينته بيروت وقد استردّت لقبها العريق، كأم للشرائع.
 
 
 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني