العرب قبل الملوك
العرب قبل الملوك

ناقوس في أحد - تعليق على الاحداث مع رشيد درباس - Sunday, April 7, 2024 4:30:00 PM

النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
 
بمناسبة العيد، أدعو أن يتوفر لأهل غزة والجنوب فطرٌ يسدّ جوع الصيام الطويل، وأرفع عزائي لأحبّاء الرجل النبيل فؤاد بك السعد.
 
وبعد..، دعاني جار الهواء والهوى، الذي أدقّ بعده "ناقوس الأحد"، بمجرد وضع "النقطة على الحرف" الأستاذ هنري زغيب لأشارك في ندوة دعا إليها مركز التراث اللبناني في إحدى قاعات الجامعة اللبنانية الأميركية L.A.U، يوم الاثنين الواقع فيه 15 نيسان الحالي، فحَّملني بهذا عبئًا يُكِلُّ النظر، ويلتهم الوقت، ويؤكد التقصير عن تمام المهمّة؛ ألف صفحة وزنها كيلوغرام على الأقل، وأطنان من المعرفة والمتعة والقصص والمغامرات، عاقرتها مجدداً كأَنْ لم يكن لي بها سابقَ عهد، وهذا خلص بي إلى أن الكاتب يؤلف مرة، أما الكتاب فيقرأ عشرات المرات من الشخص الواحد، لأن الحروف تنبىء عن معانٍ جديدة كلّما اختلفت الأعمار ونضجت البصائر والأبصار.
 
وعليه، فإنّ العودة إلى "ملوك العرب" في مئويته، أوقعت في النفس بهجة النزهة وخطورة الرؤية، فما أشبه قرن مضى بقرن جديد، كأنّ الريحاني ينبّهنا إلى قوله تعالى: ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون.
 
لن أستبق الأمر في هذه الحلقة لألخّص فيها الملخّص، فلقد جرّبت أن أضغط ألفاً من رحب الصحفات بألف ونصف من ضيق الكلمات، فإذا حاولت أن أجعلها خمسمئة تقيّداً بوقت البرنامج، تحمّلت مسؤولية مسخ ملوك العرب، وهذه تهمة لا أطيقها حفظهم الله على أرائكهم، سبحان خالقهم.
 
ولقد سألني الاستاذ هنري عن عنوان مداخلتي، فقلت (العرب قبل الملوك)، لأن المؤلّف لم يركب تلك المغامرات ويعاني المخاطر والأمراض، تزلّفاً لملوك لم يكن معظهم يعرف من أمر العرب شيئاً، ولم تكن هناك ثروات نابعةٌ من الرمل، تغري الأدباء بمدحة الولاة، بل كان غرض الريحاني من سياحته المعرفية الاطلاع على أحوال أمّته التي يعتزّ بالانتساب إليها ويجهر، كما اعتز بمسيحيّته وجهر بها في كل ديوان.
 
ومن طرائف الكتاب أن المؤلف كان يجلس في حضرة الإمام يحيى حميد الدين إمام اليمن، مع رفيقه الشاعر قسطنطين يني، فكلّما دخل رجل إلى المجلس، قام الإمام بتعريف ضيفه بالقول: أمين وقسطنطين، نصرانيان من لبنان، فلمّا قال له أمين: أرى الإمام شغوفاً بالسجع، أجابه الإمام، لأنكم أنتم السجع.
 
لقد استحسنت إيراد هذه النبذة لتبيان ما رسخ في وجدان الرادة الكبار، من أن العروبة أولى من الملوك والحكام الورثة، بدراسة أحوالها، وتشخيص أدوائها، وتظهير مرجعياتها الثقافية واللغوية، وتكامل مصالحها، فهكذا فعل جورج أنطونيوس في كتاب "يقظة العرب" وقسطنطين زريق وفيليب حتي، والشدياق العظيم، وجبّار الأدب مارون عبود.
 
لم أقصد بمن ذكرت ان الوعي العروبي اقتصر على ذاك الرعيل المسيحي، بل لأؤكد على أن الشجرة لها أغصان والبيتَ فيه بيوت، والسماءَ ذاتُ أبراج، وكلَّهم في فلك يسبحون.
 
أستطرد هنا لأقول أن الصديق والكاتب العريق سمير عطالله استفزّه أن حكومة فلسطين الجديدة لم تضم إلا وزيراً مسيحياً أعطي حقيبة السياحة، فهل سيكون دليل الزائرين بين القنابل والدمار؟
 
يروي المؤرخ الفلسطيني الدكتور نقولا زيادة في كتابه المسيحية والعرب ما ملخّصه:
 
أنه في اوائل القرن الماضي نشأت في بيت المقدس حركة مسيحية أرثوذكسية عربية، تنادي بتعيين مطران عربي على الناصرة، لأن اليونان كانوا ولا زالوا يسيطرون على الكنسية. فتشكَّلَ وفدٌ لزيارة الرعية الأرثوذكسية في مدينة الكرك لإقناعِها بالانضمام إلى تلك الحركة. وصلَ الوفدُ فاستُقْبِل في الخيمة الكبرى بحسب قواعد الضيافة التي بمقتضاها لا الكلام ولا الجواب إلا بعد الفراغ من الطعام. نُحِرَت الذبائح وصُفَّت الموائد وأكلوا حتى الشِّبع، ثم دار الحديث فتولى كبيرُ الوفد شرحَ القضية بإسهاب حتى استغرق في ذلك ساعةً أو أكثر، من غير أن يقاطعَه أحد.
 
فلما انتهى أجابه المضيف: أهلًا بكم وسهلًا، لكنكم نزلتم عند الجماعة الأخرى، فأولاد عمِّنا النصارى في الخيام المقابلة. أنتم الليلة ضيوفنا، والصباح رباح.
وكان في الوفد الفلسطيني شابٌّ حديث العهد بالسياسة، فسأل ابنَ المضيفِ الجالسَ بجانبه: ما الفرق بينكم وبينهم، فأجاب: والله ما ندري سوى أن أولادَ عمّنا يصلّون في الكنيسة ونحن نصلّي في الجامع.  
 
فليحذر النسيج من تسرّب الألوان.

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني