النوّاب الودائع
النوّاب الودائع

خاص - Wednesday, November 25, 2020 3:54:00 PM

ايلي نجار

عند كلّ استحقاق مفصلي في الوطن يستعر الحديث بالتعديلات الدّستوريّة لا سيّما فيما يتعلّق بقانون الانتخاب الذي أخذ أكثر من عشر سنوات لإقراره. واليوم بعدما باتت السلطة السياسيّة مدركة تمام الإدراك بأنّ هذا القانون الذي أعطاها الأكثريّة بفعل تحالفات بعضهم الخاطئة وغير السياديّة، وبسبب تقاعس أكثر من نصف اللبنانيّين عن ممارسة حقّهم الانتخابي، وبعد إدراكها بأنّ أيّ انتخابات نيابيّة ستجري، سواء أكانت بموعدها أو مبكرة، ستنزع الأكثريّة منها بسبب تغيّر المزاج الشعبي لعامّة النّاس بعد ثورة تشرين 2019، وبعد الفشل المدقع الذي بانت عليه هذه السلطة.
لذلك، أخرج الرّئيس برّي أرنبًا جديدًا تمثّل بالنّائب الوديعة، الجزّيني ابراهيم عازار الذي تقدّم باقتراح قانون انتخابي بأسبابه التعليليّة ساقط أبريوريًّا، لأنّه يتحجّج بصحّة التمثيل على أساس أنّ القانون الحال لم يؤمّن تمثيلا صحيحًا. إنّ ما وراء الأكمة خيل وفيّة لمربضها البرّي. وذلك كلّه لاسترجاع الحقّ بالانتخاب الذي منحه قانون 2017 للنّاخبين لا سيّما المسيحيّين منهم، ما سمح بإعادة جزءًا كبيرًا من التوازن الذي كان مفقودًا طوال ثلاثة عقود تقريبًا، حيث كان مستبدَلا بحقّ تصويت أقلّ ما يُقال فيه أنّه شكليّ.
لكن المستغرب في ذلك، كيف يرضى هؤلاء النوّاب بأن يكونوا كحصان طروادة ليُدخِلوا إلى مجموعاتهم الحضاريّة فكرًا لا يشبههم تحت حجّة القدرة على تأمين بعض الخدمات التي تعتبر من أبسط الحقوق في أيّ بلد من بلدان العالم. لذلك نراهم يقدّمون أوراق اعتمادهم عند كلّ مفصل ليحافظوا على ما مُنَّ بهِ عليهم، وما أغدق عليهم من خيرات النّاس التي أزهقت عمرها في تحصيلها.
لذلك أتى هذا القانون الذي يُعتبَر الأعدل في التمثيل الحقيقي ليُبْطِلَ ظاهرة النوّاب الودائع والتي يتحجّجون بها لدحض مبدأ عدم وجود الميثاقيّة لدى طرح أيّ قانون. من هنا، نفهم لماذا الرئيس برّي يستعين بهؤلاء النوّاب؛ وأمثاله في كتلتي المستقبل واللقاء الديمقراطي. من غير المقبول بعد اليوم السماح لأيٍّ كان التنازل عن حقّه بالوجود مستبدلا إيّاه بحقّ الحضور تحت ذريعة الحماية من الأصوليّة، أو الخوف من السلاح.
من هذا المنطلق، نستنتج أنّ طرح قانون انتخاب جديد اليوم في ظلّ هذه الظروف ليس لتحسين التمثيل النيابي، ولا حتّى حفاظًا على حقوق أيّ مجموعة حضاريّة في لبنان، لا سيّما المسيحيّة. فالحقيقة أبعد من ذلك بكثير، تكمن في تغيير جوهر النّظام اللبناني بتحوّله من نظام تعدّدي إلى نظام عددي حيث سيتمّ ضرب جوهر وجود الوطن اللبناني؛ وبالتّالي تغيير هويّة لبنان التي دفعنا ثمنها أذكى الدّماء، وسلخ هذا الوطن من عمقه الاستراتيجي العربي خدمة لأهداف أيديولوجيّة لفئة واحدة تمّ تغليبها على سائر الفئات الحضاريّة بقوّة السلاح غير الشرعي الذي امتلكته عنوة عن الدّستور اللبناني الذي أوّلأ ما دعا إليه بعد الحرب هو حلّ الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانيّة.
من غير المقبول بعد اليوم، افتعال خضّات دستوريّة في حياة الوطن خدمة لأهداف شخصيّة أو مجموعاتيّة. المطلوب العودة إلى الدستور وتطبيقه بالكامل، وعندها فقط نستطيع، بعد تحقيق المساواة تحت سقف هذا الدّستور، البحث في كيفيّة تطويره ليتماشى مع الحقبة الجديدة القادمون عليها في العالم الجديد في زمن الثورة التكنولوجيّة، إضافة إلى الثورة الاستثماريّة الموعودة في شرق البحر المتوسّط. عدا ذلك، كلّ شيء يكون في خدمة ضرب جوهر الوطن وهذا ما لن يقبل به أيّ عاقل في لبنان.

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني