مسلسلات التلفزيون ومسلسلات السياسة
مسلسلات التلفزيون ومسلسلات السياسة

ناقوس في أحد - تعليق على الاحداث مع رشيد درباس - Monday, March 25, 2024 9:53:00 AM

لنقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس 

كانت المسلسلات المصرية في السابق معقد الألباب والأنظار، خصوصاً في شهر رمضان، حيث تأخذ حيّزها الكامل على حساب المسلسلات التركية التي تتراجع في موسم الصوم. لكن كثرة القنوات والمسلسلات جعلت المُشاهد في حيرة من أمره، بعدما فقدت بريقها التليد، وغلب عليها الملل لفقر المضمون وكثرة الأعلانات التي تعادل ضعفَي الفقرة التمثيلية، فإذا كان للمشاهد حظ فهو يستطيع أن يرى ثلاث مسلسلات في آن واحد، بأن يتنقل بين المحطات أثناء بث الاعلانات، إلا إذا تعمّد المكر التسويقي تزامنها على القنوات كلّها في الوقت ذاته.

الغريب أنّ المشاهدين الذي يتبرّمون من الاستخفاف بهم وأذواقهم، يواظبون على المشاهدة؛ وإذا تساءلت كيف للمواطن اللبناني الذي هو على درجة من الذوق والثقافة أن يتأقلم مع هذا طوال شهر، جاءني الجواب أنّ من تمرس بالمسلسلات التركية ذات مئات الحلقات، وبالمسلسلات السياسية، ذات عشرات السنوات ، يستطيع أن يتكيّف مع الظاهرة الرمضانية التي يختلط فيها حابلها بنابلها.

فالمسرح السياسي المغلق والممنوع عن أداء المشهد الأصلي، تتحرّك فيه الأشباح التي لم تعلق معظم أشكالها وأسمائها في أذهاننا رغم مرور حوالي سنتين على الانتخابات، فإذا تكلّم أحدهم، ردّد مقولة رديئة ومستهلكة بلغة ركيكة ومخارج ألفاظ مضحكة. 

وكما كان يحدث في السابق، حيث كانت الفرق التمثيلية تقدّم بين الفصول رقصات وأغنيات وسَحَرة لكي يظل الانتباه مشدوداً، كذلك عندنا. فكلّما نسي المواطنون اللبنانيون أمر الاستحقاق الرئاسي، نبّههم المنبّه إلى موفد يمثل رئيس أميركا ليساعد على الحل، وإلى خماسية ذات جلال ومهابة، ورباعية معتدلة القوام، يقودها حُسن الظن، وقد فاتها أنّ سوء الظن من حُسن الفطن.

ربما كان على الشياطين أن يفدوا إلينا ليتعلّموا من حالتنا السياسية كيف يمكن أن يأخذهم الخيال إلى ما لا يخطر في علم أو بال، بل ربما تصعب أوضاعنا على الشياطين أنفسهم، فالشيطان يعظ في بعض الأحيان كما في رواية نجيب محفوظ، فيحذّروننا من ملائكتنا المزيّفين الذين يرفرفون بين الممانعة والمقاطعة وينطقون بلغة معتلّة الأول والآخر، ويتنصّلون من أفعالهم، ضاربين عرض الحائط بتدهور سمعة الدولة وانهيار الاقتصاد وتخلّف التعليم، والتدمير الإسرائيلي الممنهج، وكل منهم يحوم بطهارته المزعومة في فضاء شاشته في مسلسلات لا تنتهي من غير أن يختلج فيهم خجل عندما يعلنون في يومهم ما يتناقض ما قالوه بالأمس، وما سيناقض حتماً أقوال الغد.

غالباً ما تأخذني الذاكرة إلى زياد الرحباني، ففي الفيلم الأميركي الطويل الذي دارت مشاهده في مستشفى الأمراض العقلية، عاد إلينا (إدوار) وهو يهلوس من كثرة "المحمودات"، فيما (نزار) يخشى أن يتحوّل إلى حجّة، أي تلك الامرأة المسنة التي كانت تسأله كل يوم عن توقّعاته في السياسة والحرب، ليكتشف في النهاية، رغم حصافته السياسية، أننا كلّنا جهلة.

لو خرج زياد عن صمته وكسله لكان أبرع من يكتب فيلماً أمريكياً روسياً ايرانياً إسرائيلياً تركيا طويلاً عن مستشفى عربي تزاحم فيه الأطباء المزعومون الذين أخذوا على عواتقهم تأجيج حروب اليمن، وتفسيخ العراق وسوريا، وإبادة فلسطين، وتجريف السودان الذي  كان مؤهّلاً ليكون سلّة العالم الغذائية، فإذا أهله يعانون من المجاعة التي تخلّفها الانقلابات البلهاء والحروب  الرعناء.

في إحصائية حديثة لأمين عام اتحاد الغرف العربية الدكتور خالد حنفي، جاء أن فاتورة استيراد المواد الغذائية في الدول العربية تشكل 61 مليار دولار، هي قيمة 55% من احتياجاتها الغذائية، وأنها مرشحة إلى أن تصبح 90 مليار دولار في آخر العقد، والعالم العربي يستحوذ على 25 % من إنتاج الحبوب العالمي ولا ينتج سوى 2.5 % من احتياجاته، فيما المساحات العربية الصالحة للزراعة تعادل المساحات الكلية لـ 15 بلداً تصنّف من أكبر مصدّري القمح مثل أوكرانيا ورومانيا.

آخر المسلسلات، أسفر عن أن لبنان صار الأول في الحياة البائسة .

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني